ارشيف من : 2005-2008

صحيفة الخليج الاماراتية: أزمة عالمنا ثقافية أم سياسية؟/ د. عصام نعمان

صحيفة الخليج الاماراتية: أزمة عالمنا ثقافية أم سياسية؟/  د. عصام نعمان

إذا كانت الديمقراطية تنتمي إلى كل الحضارات وكل الشعوب، لماذا تصرّ الولايات المتحدة على الترويج لنمط معين من الديمقراطية ومحاولة فرضه بالحرب، كما في العراق وأفغانستان؟‏

عالمنا المعاصر في أزمة. الأزمة في كل مكان. تتخذ أسماء وعناوين مختلفة لكن جوهرها واحد. انه التفاوت. التفاوت الذي ينتج التمييز والتهميش والظلم والفقر والجهل والاستبداد.‏

الغرب هو المتضرر الأول من الأزمة المعاصرة. انه يواجهها مباشرة عبر دوله الأكثر تقدماً، أو مداورة عبر الأمم المتحدة. المواجهة المباشرة تكون بالحرب كما هي الحال في العراق وفلسطين وأفغانستان. المواجهة المداورة تكون بالدبلوماسية والمؤتمرات الدولية السياسية والثقافية كما في مؤتمر "منتدى المستقبل" في البحرين أو في المؤتمر الدولي حول "الإسلام في عالم متعدد" الذي نظمته النمسا في عاصمتها.‏

الإسلام والمسلمون والعرب هم موضوع الأزمة. يشارك رؤساؤهم ومندوبوهم وقادة الرأي في شعوبهم ومجتمعاتهم في تلك المؤتمرات، لكنهم قلّما يظهرون مبادرة أو فرادة أو فعالية ملموسة. السبب؟ شعور مزمن بالدونية إزاء الغرب، وموقف اتهامي من دول الغرب لهم بالإرهاب أو بالسكوت عنه، وغياب حدّ أدنى من التوافق بينهم على التصدي للهجوم الشامل، السياسي والثقافي، الذي يتعرضون له.‏

في مؤتمر البحرين أظهر العرب بعض الممانعة. حالوا بتحفظاتهم، لا سيما المنسوبة إلى مصر، دون توصل المؤتمرين في "منتدى المستقبل" إلى "إعلان المنامة". غير ان جوهر التحفظات لا يدعو إلى الارتياح إذ أصروا على تعديلٍ في صيغة الإعلان شكّل تضييقاً على تحرك المنظمات غير الحكومية. انه الأمن يطلّ برأسه دائما ليمنع أو يردع. فالمسؤولون خائفون من أعدائهم جميعا حتى لو كانوا مجرد منظمات أهلية غير مسجلة !‏

ليس العرب والمسلمون من يخيف دول الغرب فحسب بل الإسلام أيضاً. يتضح ذلك من موضوع مؤتمر فيينا "الإسلام في عالم متعدد" ومن الكلمات التي ألقاها المشاركون. فقد أحسّ المسؤولون المسلمون بأن الإسلام متهم بأنه غير تعددي وغير ديمقراطي، فحرصوا على رد التهمة بطريقتين: إبراز الجانب التعددي في الإسلام، وإلقاء الضوء على دساتير بلدانهم التي لا تتعارض مع الإسلام، فالرئيسان العراقي جلال طالباني والأفغاني حميد قرضاي قالا إن الدستورين الجديدين في بلديهما يثبتان أن الديمقراطية والحقوق المدنية ومساواة المرأة بالرجل تتفق مع القرآن، مؤكدين أن الإسلام دين تسامح ويجب أن يتصدى لـ"للإرهابيين".‏

مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية دانيال فرايد هبّ إلى نصرة طالباني وقرضاي بالقول إن الانتخابات في العراق وأفغانستان "تثبت انه من الخطأ الادعاء ان الديمقراطية لا تنتمي إلاّ الى الغرب، إذ لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية، ذلك ان تاريخ السنوات العشرين الأخيرة يبيّن انه لا حتمية ثقافية وان الديمقراطية تنتمي إلى كل الحضارات وكل الشعوب".‏

حسنا، إذا كانت الديمقراطية تنتمي إلى كل الحضارات وكل الشعوب، لماذا تصرّ الولايات المتحدة على الترويج لنمط معين من الديمقراطية ومحاولة فرضه بالحرب، كما في العراق وأفغانستان؟‏

الحقيقة ان أحداً لا يصدق ما تقوله أمريكا في شأن الديمقراطية التي تحاول تصديرها بالقوة إلى العالم العربي والإسلامي. حتى وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أبدى تحفظاً، ولو بصورة غير مباشرة، على موقف أمريكا بقوله "إن احد ابرز موضوعات المنتدى (في البحرين) كانت أن الإصلاحات ينبغي أن تكون داخلية وليس مفروضة من الخارج، ستكون كارثة على المنطقة إذا اعتقدت ان الديمقراطية فكرة أمريكية". غير ان سترو لم يوضح للمؤتمرين لماذا تشارك حكومته بقواتها في حرب أمريكا على العراق ما دامت تؤمن بأن الإصلاح الديمقراطي يجب ألاّ يكون مفروضاً من الخارج؟‏

لعل هذا ما شجع وزراء الخارجية العرب المشاركين في "منتدى المستقبل" على إبداء تحفظات على المضي في الإصلاحات في المنطقة قبل حلّ النزاعات التي تشهدها، خصوصا النزاع العربي "الإسرائيلي"، غير أن عدم التزام الدول العربية استراتيجياً فاعلة في الصراع مع "إسرائيل" أدى وسيؤدي إلى عدم انسحاب الدولة الصهيونية من الأراضي العربية المحتلة وبالتالي عدم مباشرة الدول العربية أية إصلاحات ديمقراطية بانتظار قيام دول الغرب الأطلسي بإيجاد حل للنزاع المزمن معها.‏

ثمة حقيقة مسكوت عنها في هذه المؤتمرات والندوات التي تنظمها دول الغرب وهيئات الأمم المتحدة في عالمنا العربي والإسلامي. فالأزمة المعاصرة ليس سببها الإسلام بل سببها، بالدرجة الأولى، إساءة معاملة المسلمين. ليس الإسلام بما هو دين وقيم وتعاليم هو من يواجه الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً في شتى أنحاء العالم بل هم المسلمون، المؤمنون منهم وغير المؤمنين، الذين يعانون، بما هم مواطنون، التفاوت إزاء الشعوب الأخرى وفي دول الغرب بالمقارنة مع سائر مواطنيها في مجتمعاتها. التفاوت مردّه إلى الاحتلال، والحرب، والنقص الفادح في الغذاء والدواء والخدمات العامة، والبطالة، والفقر، والأمية، والتهميش، والقمع.‏

أجل، المسلمون بما هم مواطنون او مهاجرون يعانون في بلدانهم الأصلية أو في مهاجرهم هذا التفاوت الناجم عن جميع تلك المظالم والمساوئ والنواقص والآفات، السياسية والاجتماعية والثقافية، التي تضعهم بالضرورة في حال صدام مع السلطات القائمة في مجتمعاتهم. لا يمكن ردّ هذا التفاوت ومسبباته إلى عوامل محض سياسية حصراً أو ثقافية تحديداً على نحوٍ يفصل بعضها عن بعضها الآخر. إنه نتاج كل هذه العوامل المتراكمة والمتفاعلة والمترابطة والمتواقفة، بمعنى توقف بعضها على بعضها الآخر.‏

مشكلة المواطنين، المسلمين وغير المسلمين، المهمشين الذين يعانون التفاوت بمسبباته المار ذكرها أن أهل السلطة في دول الغرب كما في ديار الإسلام يردّون الأزمة المعاصرة إلى أسباب ثقافية حصراً أو أسباب سياسية تحديداً على نحوٍ يفصل الأولى عن الثانية، فلا يلاحظون عمق الترابط بينهما. لنأخذ الرئيس الفرنسي جاك شيراك مثلا. ففي كلمة إلى الأمة هي الاولى منذ انفجار أعمال العنف في 27 تشرين الأول / أكتوبر الماضي دافع شيراك عن نموذج الإندماج الفرنسي، مفسراً الأحداث بأنها "تظهر قلقاً عميقاً، أزمة هوية وانتماء”، أي إنها أزمة ثقافية بأسبابها. صحيح انه أقرّ في كلمته بأن "بعض المناطق يعاني نواقص... هذا الوضع هو السبب الجوهري للأحداث"، إلاّ انه يعود إلى التأكيد بأن أساس المعالجة هو في‏

"أننا عندما ننتمي إلى أسرتنا الوطنية، نحترم قواعدها..."، أي ان الانتماء وهو عامل ثقافي هو العلاج الرئيسي.‏

أهل السلطة في العالم العربي والإسلامي يقدّمون المقابل السياسي للعلاج الثقافي. لعل أفضل من مثّل مقاربتهم في معالجة الأزمة المعاصرة خلال "منتدى المستقبل" وزير خارجية البحرين الشيح خالد بن احمد آل خليفة بقوله "لا شك في ان مناخ السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيكون حافزا جوهريا لنجاح جهودنا من اجل التنمية والإصلاح". العلاج السياسي، في رأيه، هو الأساس في معالجة الأزمة بل هو شرط وحافز لضمان النجاح فيها.‏

صحيح ان شيراك ونظراءه لا يحصرون معالجة الأزمة بعلاجات ثقافية، ولا خالد بن أحمد وأمثاله يحصرون معالجتها بعلاجات سياسية، لكن كلا الفريقين يركّز على علاجات محددة أكثر من غيرها في حين ان المقاربة الموضوعية الناجعة تقضي بمباشرة علاجات سياسية وأخرى ثقافية واقتصادية واجتماعية في آن معا وعلى نحوٍ يؤمن معالجة متزامنة، مترابطة، ومتكاملة للأزمة الحاضرة.‏

وزيرة خارجية النمسا اورسولا بلاسنيك انتهجت المقاربة الصحيحة أكثر من غيرها بين المسؤولين الرسميين في مؤتمر‏

"الإسلام في عالم متعدد"، بدعوتها إلى إجراء "حوار منفتح أقوى من السابق والسعي إلى تعايش أفضل في المدرسة والعمل والمجتمع...".‏

أجل، حوار في المدرسة والجامعة حيث الثقافة، وفي العمل حيث المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وفي المجتمع حيث السياسة وكل العوامل الأخرى.‏

الأزمة متعددة الوجوه، لذا يقتضي أن تكون المقاربة متعددة الأساليب والعلاجات.‏

2006-10-30