ارشيف من : 2005-2008

وقائع الانتقال من "التواضع" إلى "الإباء" كيف طفح كيل نصر الله ومن قصد بهجومه؟

وقائع الانتقال من "التواضع" إلى "الإباء" كيف طفح كيل نصر الله ومن قصد بهجومه؟

عماد مرمل/ صحيفة "السفير"‏

ما كاد الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله ينتهي من إلقاء خطابه لمناسبة استعادة جثامين الشهداء الأربعة الذين قضوا في مزارع شبعا، حتى تحول بعض ما ورد في الخطاب إلى "محطة كلام" لدى الكثيرين، وأصبح تعبير "من أنتَ؟" على سبيل المثال متداولا بكثافة في العديد من الأوساط الشعبية والسياسية..‏

حصل ذلك، لأن السيد نصر الله استطاع وبكل بساطة التقاط "الحس الشعبي"، أقله على مستوى جمهور "حزب الله" ومحبّذيه، وتمكن من أن يعبر عنه خلال لحظة شديدة التعقيد بلغ فيها الاحتقان ذروته، الأمر الذي انعكس بشكل فوري تنفيسا لهذا الاحتقان المزمن واستنهاضا للروح المعنوية.‏

كانت كوادر "حزب الله" وقواعده الشعبية تشعر طيلة الفترة الماضية بأن عليها أن "تضبط النفس" إلى أقصى الحدود الممكنة وأن تكبح الإحساس الجارف بالغضب الذي أثارته حملات التشكيك المنظمة في نوايا "حزب الله"، وخلفيات إصراره على الاحتفاظ بسلاحه، حتى باتت المقاومة التي تبذل التضحيات والدم هي في قفص المساءلة والمحاسبة، بينما يقف خارجه المنظّرون من أصحاب السوابق السياسية، في واحدة من أكثر سخريات القدر إيلاما وغرابة.‏

سيطر جمهور "حزب الله" على عواطفه ولو تطلب ذلك جهدا كبيرا ملتزما بتوجهات قيادته التي ارتأت ان طبيعة الظروف تقتضي إجراء تسويات وتفاهمات معينة مع قوى 14 آذار، لتمرير المرحلة الانتقالية بأقل الأضرارالممكنة وللمساهمة في بناء شبكة الامان الداخلية حول مشروع المقاومة، وكانت الانتخابات النيابية هي التجربة الاشد حساسية على هذا الصعيد لما تطلبته من تحالفات غير مألوفة احتاجت الى مسعى حزبي استثنائي لإقناع "القاعدة" بجدواها وضرورتها، وخصوصا تلك التي عقدت مع القوات اللبنانية والرئيس أمين الجميل في دائرة بعبدا عاليه.‏

بطبيعة الحال، لم يكن سهلا على قيادة الحزب، حينها، الترويج في أوساط جمهورها للتحالف مع "القوات" والجميل بالنظر الى رواسب سياسية متراكمة، بل إن هذا القرار أثار يومها نقاشات داخلية واسعة لم تخل أحيانا من بعض الحدة، لا سيما أن أصداء الحملات المتبادلة بين ساحتي 8 و14 آذار لم تكن قد تلاشت بعد، مع ما رافقها من مظاهر انفعالية دفعت قيادة "حزب الله" الى التدخل للطلب من المحازبين والمناصرين عدم تخوين رموز المعارضة آنذاك "والذين تحول بعضهم اليوم الى رأس حربة في الحملات على الحزب"، فكان ذلك أحد أبرز أسباب المرارة التي عكسها نصر الله في كلمته الجمعة الماضي.‏

المهم، أن قواعد الحزب اقتنعت في نهاية المطاف بوجوب احترام توجهات القيادة "الأدرى بمتطلبات حماية القضية الأساس وهي المحافظة على المقاومة" وكان الالتزام التام يومها بلائحة التحالف.‏

لكن، وفي وقت لاحق أعاد العديد من الأطراف النظر في حساباته وبدأت التناقضات "الكامنة" بين الحلفاء القسريين تطفو على السطح تدريجيا ثم راحت تتنامى مع تلاحق الاختبارات، الى أن كشفت المواجهة الاخيرة في مزارع شبعا عن اتساع الهوة الى حد جعل البعض "يستسهل" اتهام "حزب الله" بأنه ينفذ عملياته العسكرية بطلب من دمشق ليخفف ضغط ديتليف ميليس عنها.‏

عندها، طفح كيل "حزب الله" الذي كان قد قدم للتو وعشية عيد الاستقلال أربعة شهداء من شبابه في معركة عنيفة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يُفترض أن تكون انتهاكاته للسيادة اللبنانية أبرز مظهر من مظاهر الخطر على الاستقلال، وهو ما لم يعره العديد من "السياديين" أي اهتمام، بل إن العكس تماما قد حصل مع توجيه هؤلاء اللوم للمقاومة و"تأنيبها" على تصديها لمحاولة الاختراق الاسرائيلي!‏

أدرك السيد نصر الله في تلك اللحظة ان "التواضع" أمام هؤلاء لم يعد في محله، فكانت الدعوة الى "الإباء" التي ترجمها الامين العام للحزب فوراً بكلمة هجومية كان بعض المراقبين قد توقعها خلال "يوم القدس"، ولكن الحزب فضّل حينها أن يكون العرض العسكري للمناسبة هو "الرسالة".. الى ان جاء الوقت المناسب للهجوم المضاد الذي شنّه نصر الله شخصيا.‏

ولكن، من كان يستهدف "السيد" تحديداً بقوله: من يرد ان يتهمنا فلن نتواضع له بعد اليوم، وإنما نسأله مَن أنتَ، ما تاريخك قبل عام 1982وبعده، أين كنتَ وحليف من كنتَ وفي أي موقع، وماذا قدمت وضحيت لهذا البلد وما علاقتك بالسفارات وبالاسرائيلي والاميركي والاجنبي؟‏

حسب المعلومات، فإن "المعنيين" هم أولئك الذين انتجوا مناخ التشكيك في خلفيات المقاومة وسلوكها تارة تحت شعار أنها خارج الإجماع الوطني وطورا بالادعاء أنها تتلقى الاوامر من الخارج، بحيث بدا البعض متوهما ومنتفخا الى الحد الذي جعله لا يرى أبعد من ذاته، كما يقول مقرّبون من دوائر القرار في الحزب، أما مروحة هذا البعض فتمتد من القوات اللبنانية التي ألمح قائدها إلى أن المقاومة خاضت مواجهة مزارع شبعا لخدمة مصالح سورية وصولا الى بعض الشخصيات السياسية "التي اتخذت مواقف تتجاوز ما يتيحه لها حجمها الطبيعي، كما فعل نائب سابق لم ينجح في الانتخابات ضمن منطقته ولكنه لا يتردد في إعطاء دروس للمقاومة في الوطنية، عدا عن أن رئيسا سابقا للجمهورية اتصل قبل ساعتين من خطاب نصر الله بأحد قياديي "حزب الله" معزيا بالشهداء الاربعة ثم عاد في اليوم التالي ليشن هجوما على "حزب الله"، رغبة في تقوية نفوذه في محيطه".‏

ويؤكد المقربون من قيادة الحزب أن العماد ميشال عون لم يكن معنيا على الإطلاق بخطاب نصر الله، لافتين الانتباه الى ان عون أظهر تطورا إيجابيا في لغته وفتح نوافذه على الآخرين بما يعكس حسن قراءته للوقائع، خلافا لحال بعض الاتجاهات الاخرى في الشارع المسيحي والتي باتت لا تمثل حقيقة نبض المسيحيين وتطلعاتهم بعدما أثبتت الانتخابات النيابية ان التيار الوطني الحر هو الممثل الشرعي والفعلي لأكثريتهم الساحقة.‏

وفي الخلاصة، يمكن القول إن خطاب نصر الله نجح في إيصال رسالة مزدوجة الى البعض في الداخل وإلى القيادة الاسرائيلية، ومفادها أنه وخلافا للافتراضات التي شاعت هنا او هناك فإن "حزب الله" ليس ضعيفاً ولا خائفاً، ويجب ألا يساء تفسير التساهل والمرونة اللذين يبديهما من حين إلى آخر، وبالتالي ينبغي أن يكون واضحا أنه لن يقبل نزع سلاحه سواء بالحوار او من دونه.‏

2006-10-30