ارشيف من : 2005-2008

ماء لبنان.... ليس عكراً

ماء لبنان.... ليس عكراً

صحيفة الخليج الإماراتية/ خيري منصور‏

آخر مبتكرات التجميل السياسي التي أعلن عنها في تل أبيب، هو ما سمي الإعراب عن النيات الحسنة إزاء لبنان - الدولة، فإعادة جثامين الشهداء الثلاثة إلى لبنان تمت بوازع سياسي ذي بعد إنساني، وهذه اللغة غير المألوفة في الخطاب الصهيوني خصوصاً في حقبته الشارونية يقصد بها ضرب عدة صقور برصاصة واحدة.. فثمة فصل بين حزب الله وبين الدولة اللبنانية، وكأن هذا الحزب معلق في الفضاء أو يعيش خارج الجاذبية السياسية والجغرافية والوطنية للبنان.‏

لقد استخدمت تل أبيب هذا المنطق على استحياء عشية خروجها القسري من الجنوب، عندما زعمت أنها مارست ذلك الموقف بناءً على متطلبات داخلية ولأسباب تخص استراتيجيتها.‏

والآن يتضح أن تلك المحاولة للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه كانت أشبه بالمسودة أو الاسكتش من أجل تجريب خطاب تبريري، يتسق مع مفهوم جيش الدفاع والحرب الوقائية، وسائر هواجس الاستباق التي غالباً ما يتبناها الغزاة.‏

لقد كان اجتياح لبنان وصولاً إلى بيروت عام 1982 اجتياحاً للدولة اللبنانية وليس لحزب من أحزابها، وليس لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية منها، وهو السبب أو الذريعة المعلنة، ولم تعزل تل أبيب بقيادة شارون في ذلك العام بين لبنان واللبنانيين وبين السياسة والثقافة والاقتصاد والعقائد، ما دامت البلاد كلها كانت تتعرض لذلك الانتهاك.‏

وقد جرّب شارون بعد تحرير الجنوب من قواته أن يمارس لعبة صهيونية قديمة، هي اضرب واهرب سواء عن طريق الجو أو البحر، ما دامت القرصنة قد شملت البعدين معاً، لكنه أخفق في تلك اللعبة وارتد سحره الأسود عليه وعلى الجنرالات الذين سلموه المفاتيح كلها، لكن الأبواب التي وعدهم بفتحها على مصاريعها لم تصرّ، ولم تتزحزح، وخصوصاً ذلك الباب العملاق الممهور باسم عربي عريق وطهور تضيق به الذاكرة الآثمة، وهو باب فاطمة.‏

لم يحدث من قبل أن عرف العالم عن شارون ودولته مثل هذا الكرم، ومثل هذا التعبير الملغوم عن حسن النيات، فالنيات معروفة، ولها رائحة ترشح منها في كل لحظة، وفي كل كلمة تصدر عن الدولة العبرية مثقلة بالفحيح. كل ما في الأمر أن اللحظة كما يرى شارون مناسبة وأن الماء عكر بما يكفي لإلقاء الشباك، لكن شبكة الجنرال الواسعة الثقوب والمهترئة عادت خاوية، وما قيل عن سوء النيات لدى الدولة العبرية إزاء الصياد الأعزل الذي أعيد قاربه مثقباً بالرصاص ومبقعاً بالدم، يظفر الآن بصدقية مضاعفة، فذلك الصياد لبناني من الجنوب، وهو مواطن في الدولة اللبنانية التي يحاول شارون في خريفه السياسي مداعبتها بمخلب يقطر دماً.‏

والكلام عن التوقيت السياسي الذي دفع تل أبيب إلى هذه المناورة، يشمل كل القرارات والثرثرة الدبلوماسية التي تسعى إلى تضييق الخناق على دمشق، ولحسن حظ لبنان وسوريا معاً، وسوء حظ شارون وتابعه “قفّة” فإن اللبنانيين الذين لدغوا مراراً من الجُحر ذاته، تلقحوا ضد هذا التضليل بأمصال باهظة التكلفة، ولديهم من الأرامل والأيتام والمعوقين بسبب اجتياحات شارون المتكررة ما يكفي لتحصينهم ضد هذا اللدغ الجديد الذي يحاول أن يرش السكر على السم.‏

إن من يشيرون إلى الأذن الأخرى على جانب الرأس من الجهة المضادة، يبددون الوقت وقد يفوتهم أن الغزاة والقتلة لديهم احتياطي من المراوغة، واستخدام القفاز الحريري أحياناً، لكن ما إن تأزف اللحظة المناسبة حتى تسقط القفازات والأقنعة، وتبدو النواجذ على حقيقتها، حتى لو كانت تصطنع الابتسامة من أجل الصيد.‏

2006-10-30