ارشيف من : 2005-2008

حقّ النقض بين التصويت والعيش المشترك

حقّ النقض بين التصويت والعيش المشترك

طتب جورج بشير في صحيفة الديار 18/12/2005‏

لم يكن مضمون القرار الاخير الذي اتخذه مجلس الامن الدولي ملبيا لطموحات الحكومة اللبنانية، ‏خصوصا لما كان يتطلع اليه الرئيس السنيورة والنائب جنبلاط على صعيد المحكمة الدولية، ‏وشمول صلاحيات التحقيق الدولي الجاري في قضية اغتيال الرئيس الحريري، كل جرائم الاغتيال ‏ومحاولات الأغتيال التي اعقبتها، مع ان اللبنانيين يتطلعون في معظمهم الى تحقيق دولي شفاف ‏ومحايد وغير مسيس لمعرفة من خططوا ومن نفذوا كل هذه الجرائم المرتكبة ضد لبنان وأمنه ‏وتقديمهم الى العدالة لينالوا العقاب الذي يستحقونه.‏‏

فقرار مجلس الامن لسوء الحظ، جاء مخيبا لآمال الكثيرين، لانه في جزء هام متعلق بشمول ‏التحقيق والمحاكمة الدولية كل الجرائم المرتكبة بعد اغتيال الحريري "جاء نتيجة ارتجال ‏الجانب اللبناني في الاعداد للطلب الرسمي القانوني الذي بعث به الرئيس السنيورة الى ‏الامانة العامة للأمم المتحدة وعبر الامانة العامة الى مجلس الامن الدولي من دون الأخذ بالآراء ‏القانونية التي ابداها وزير العدل الدكتور شارل رزق وحتى من دون التنسيق مع الدوائر ‏القانونية في قصر العدل، فقدمت البعثة اللبنانية المعتمدة لدى المنظمة الدولية في ‏نيويورك الطلب اللبناني "على علاّته" أي كما جرى طبخه في بيروت في مطابخ بعض النواب ‏المنتمين الى "تيار المستقبل" الذي يتزعمه النائب سعد الحريري، فما كان من المنظمة ‏الدولية، خصوصا مجلس الامن سوى انهما تعاملا مع الطلب اللبناني بهذه الطريقة حيث اكتفي ‏بتضمين قرار مجلس الامن الاخير بندا يدعو الامين العام للأمم المتحدة الى التنسيق مع الحكومة ‏اللبنانية في مجال "تقديم الدعم التقني" للبنان لكي يتمكن من انجاز التحقيقات القضائية ‏والجنائية الآيلة الى اكتشاف مرتكبي جرائم الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي جرت في لبنان. ‏ونفذت ما بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري، فنتيجة سلق الامور والتصرفات العشوائية في ‏مجال التعاطي مع الدول ومع الهيئات الدولية في آخر لحظة وخلافا لما كان جرى الاتفاق عليه ‏معها تكون مثل هذه النتيجة التي اسفرت عنها الجلسة الاخيرة لمجلس الامن الدولي، وكذلك مضمون ‏القرار الاخير الذي اتخذه هذا المجلس، وكان مخيبا للآمال، وقد جاء القرار تقريبا في بعض ‏مضمونه "كمضمون التقرير رقم 2 الذي رفعه القاضي الالماني ديتليف ميليس رئيس الفريق ‏الدولي للتحقيق قبل ان يعود الى مقر عمله في برلين بعد ان نفض يديه من التحقيق وقرر عدم ‏مواصلة اداء مهمته كرئيس لهذا الفريق.‏‏

ولعل "النكبة" التي دفعت اعضاء مجلس الامن الدولي لمشاركة ميليس الضحك في الجلسة الاخيرة، ‏كانت ما قاله الرئيس السنيورة محاولا تبرير سبب عزوف القاضي ميليس عن مواصلة رئاسة ‏فريق التحقيق بأن هذا السبب يعود الى زوجة ميليس المقيمة في برلين طلبت اليه العودة ‏اليها والى برلين من لبنان فعلق ميليس على هذه النكتة ضاحكا امام مجلس الامن بالفعل هذه ‏مزحة، لأنها اولا غير صحيحة، وثانيا "لأن احدا لا يأمرني او يوجه الي مثل هذا الطلب".‏‏

في اي حال بيت القصيد في هذا الموضوع، هو التداعيات الخطيرة للبحث الذي جرى في الجلسات ‏الاخيرة لمجلس الوزراء حول ما يعتزم لبنان طلبه من الامم المتحدة ومن مجلس الامن "محكمة ‏دولية، ام محاكمة دولية، فضلا عن شمول التحقيق للجرائم المرتكبة بعد جريمة اغتيال ‏الحريري..، مما ادى الى انسحاب وزراء الطائفة الشيعية اولا من جلسة مجلس الوزراء وبعد ‏ذلك الى تعليق هؤلاء الوزراء لنشاطاتهم الحكومية ولعدم حضور جلسات مجلس الوزراء مهددين ‏بالاستقالة من الحكومة، وما دار بين السيدات والسادة الوزراء ونواب وسياسيين حول ‏دستورية القرار المتخذ في مجلس الوزراء عشية انعقاد جلسة مجلس الامن الدولي في شأن المحكمة ‏الدولية والمحاكمة الدولية.. ‏‏

ان التداعيات التي اعقبت الجدل حول دستورية قرار مجلس الوزراء وما اذا كان القرار ‏باعتماد التصويت بأغلبية الحاضرين من اعضاء الحكومة متحققا للتوافق الوطني ودستورياً، ‏ام انه يتعارض مع جوهر الدستور اللبناني الذي يشترط التوافق الوطني في القرارات ‏المصيرية.‏‏

بعض اركان الحكم والحكومة والنواب يقول بأن الاعتماد على التصويت في جلسة مجلس الوزراء ‏الاخيرة دستوري بعد عدم التمكن من التوافق على موضوع المحكمة الدولية، ويزيد هذا البعض ‏ومنهم الرئيس السنيورة وبعض اركان الحكومة بأنه لا يجوز لأي فريق اعتبار مضمون المادة 65 ‏من الدستور اللبناني مبررا له لكي يمارس حق الفيتو في الحكومة، ولذلك فان المطلوب في مثل ‏هذه الحال اعتماد مبدأ التصويت والاغلبية بعد تعذر التوافق...‏‏

طبعا، ان تداعيات هذه المواقف المختلفة بين اركان الحكم والحكومة من جهة، والذين يعارضون ‏ما جرى، كبيرة وخطيرة في آن لانها جعلت البلد يعيش اجواء سياسية ووطنية مشحونة قد تسمح لا ‏سمح الله لبعض المصطادين في الماء العكر بمواصلة لعبة ضرب العيش المشترك والوحدة الوطنية ‏اللذين يقوم عليهما لبنان، ولأن بعض من هم في الحكومة وخارجها لا يتطلعون سوى الى تحقيق ‏مصالحهم وغاياتهم واهدافهم.‏‏

الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور اللبناني تنص على "ان مجلس الوزراء يتخذ ‏قراراته توافقيا، فاذا تعذر ذلك، فبالتصويت"..‏‏

اذاً، التوافق شرط اساس للقرارات التي يدعى مجلس الوزراء الى اتخاذها فيما يتناول المصير. ‏وقضية طلب المحكمة الدولية في مجلس الامن قضية من هذا الوزن. ولكن هل كان يصح اللجوء الى ‏التصويت في ظل عدم التوصل الى التوافق المطلوب".‏‏

اركان حزب الله وامل يقولون بان قرار مجلس الوراء طلب اجراء المحاكمة الدولية الذي تسبب ‏بالمشكلة جاء فيما كانت المشاورات جارية مع ممثليه في الحكومة وما جرى في جلسة مجلس ‏الوزراء كان عملية غدر.‏‏

الفقرة "ي" في مقدمة الدستور اللبناني تنص على انه "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق ‏العيش المشترك". وهذا يعني في نظر خبراء في القانون الدستوري ان التصويت في مجلس الوزراء ‏يجوز اذا ما تعذر التوافق، لكن في حال وجود ممثل او اكثر لأحدى الطوائف اللبنانية الكبرى ‏في مجلس الوزراء، لا في ظل غياب جميع من يمثلون ايا من الطوائف الخمس الكبرى التي تنظم ‏الميثاق الوطني والدستوري ويشكلان عقد العيش المشترك فيما بينها. فالطائفة الشيعية خرج ‏ممثلوها من مجلس الورزراء ولم تعد الطائفة اللبنانية هذه ممثلة في هذا المجلس، وفي هذه فإنه ‏لم يكن يصح اعتماد التصويت لأنه في نظر هؤلاء الخبراء في القانون الدستوري "لا شرعية لأي ‏سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك" وقرار مجلس الوزراء في هذا الموضوع، في نظر هؤلاء لا شرعية ‏له، لانه صادر عن سلطة ينقض الدستور شرعيتها.‏‏

بصرف النظر عن الاسباب الموجبة، وعن جوهر الموضوع وهدف المحاكمة الدولية، فاننا قد نكون ‏مجددا امام الطلب من القاضي ميليس وفريقه ضم ملف هذا الخلاف الى التحقيق الذي يجريه، ‏حرصا على الدستور وعلى ميثاق العيش المشترك ناهيك عن الأمن الوطني.‏‏

2006-10-30