ارشيف من : 2005-2008
من بليكس العراق إلى "بليكس سوريا"
كتب تركي علي الربيعو في صحيفة الشرق القطرية هذا اليوم في زاوية قضايا واراء:
بين "هانز بليكس سوريا ولبنان"والمقصود بذلك ديتليف ميليس كما نعتته الصحافة الألمانية، وبين هانز بليكس العراق، ثمة فارق كبير يضيع الى حد التلاشي مع النتائج التي توصل إليها كل منهما، الأول هانز بليكس العراق، سويدي الأصل، أما الثاني فهو ألماني الجنسية، الأول ترتسم على محياه آثار السنين، وجه مجعد ويلبس بدلة مجعدة كما وصفه التليفزيون السويدي كما جاء في ذكرياته التي سنقف عندها، في حين يحتفظ الثاني بشبابه، فهو وسيم يتبختر بتسريحة شعر قصير (بروس)على طريقة المارينز الأمريكي. الأول يحمل نعتا يليق به وهو رئيس "الأرانب السرية المضطربة "والمقصود بذلك مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين ورثوا عملهم عن "رعاة البقر "أي لجنة الأمم المتحدة الخاصة بشأن أسلحة العراق بقيادة رالف ايكيوس السيئ الصيت والذكر، أما الثاني ديتليف ميليس ففي جعبته الكثير من الألقاب كما تقول الصحف الألمانية فهو "كولومبو برلين "وهو "كلب الصيد الممتاز الذي لا يرمي بسهولة الطريدة من فمه ".والمحروس جيدا، حيث يحيط به أربعون حارسا شخصيا يطوقونه مع الفندق الذي ينزل به، وعدد لا يحصى من الخبراء .الأول أي بليكس غادر بعد خراب البصرة كما يقول المثل ولن يعود، والثاني يحل ضيفا ثقيل الظل بانتظار خراب بصرة أخرى، بصورة أدق، باتجاه احتلال آخر مهد له بتقريره المليء بالإشاعات والتكهنات والقيل والقال .ومع ذلك فإنه لا بد من فهم الثاني أن نعود الى الأول لكي نحد من خراب بصرة جديد، وهذا ما نفعله في هذه المقالة التي نقف فيها على عجل، عند "ذكريات بليكس "وليس عند مذكراته التي وجدت طريقها الى العربية بعد أن ترجم كتاب بليكس الصادر في العام 2004 الى العربية منذ أيام وهو بعنوان "نزع سلاح العراق 2005" وقد حمل عنوان فرعيا "الغزو بدلا من التفتيش" وضعه مركز دراسات الوحدة العربية الذي أصدر الكتاب.
في "ذكرياته "يصف لنا بليكس ذلك الإرث الثقيل الذي ورثه بليكس عن "رعاة البقر "أي عن لجنة الأمم المتحدة بقيادة رالف ايكيوس و سكوت ريتر ثم لاحقا ريتشارد باتلر، فقد جعل هؤلاء من التفتيش عقوبة على العراقيين وشاهدا على استمرار الحرب بوسائل أخرى وأصبحت عمليات التفتيش أشبه بالعمليات العسكرية الصغيرة على حد تعبير بليكس و شاهدا على حرب سكوت ريتر الخاصة على وصف ذي نيويوركر 9 نوفمبر 1998، في حين انه كان يجب أن يكون "فرصة "كما يرى بليكس، فقد اعتمد ريتر وزملاؤه سياسة "أسلوب رامبو" على حد وصف بليكس بإذلال العراقيين والمستجوبين خاصة، وعلى تأجيج نار العداوة مع العراقيين،والأهم أنهم جعلوا من التفتيش نافذة للتجسس على العراق وهي التهمة التي ستلاحق بليكس مدى الحياة كما يكتب في ذكرياته، يقول "لقد اعتاد العراقيون على وصفي بـ"الجاسوس " والتي سيكررها المسؤولون العراقيون باستمرار، فقد كان لرالف ايكيوس نائب أمريكي على اتصال بواشنطن، أبرزهم روبرت غالوتشي، وكان ديفيد كاي المعتمد لاحقا من قبل بول وولفوفيتز عميلا أمريكيا بامتياز، ويصح القول على سكوت ريتر نفسه وعلى اللجنة الخاصة التي تتضمن عملاء استخبارات من مختلف البلدان،وبخاصة أمريكا وبريطانيا كما يقول بليكس، ويضيف "وهم كانوا أعضاء في فرق التفتيش قادرين على تزويد المنظمات التي يعملون لديها بالمعلومات عن الأهداف العسكرية وتحركات القيادة العراقية الملائمة والمناسبة، للقيام بالقصف قبل وفيما بعد "ص48.
لم يرث بليكس ذلك الإرث التجسسي، الذي يجعل من لجان الأمم المتحدة مجرد ذراع سري لوكالة المخابرات المركزية الأمريكي، بل ورث عن سابقيه، تلك المعادلة المستحيلة الحل والتي يصفها بقوله :هل نحن إما نظام تفتيش خاضع للأمم المتحدة، أم أننا أمام أمم متحدة تتحول الى غطاء لعملية غربية؟
في سياق هذه المعادلة، أرادت الولايات المتحدة الأمريكية لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقيادة بليكس، الفشل، فعلى الرغم من الثناء عليه من قبل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول، بوصفه "المحترم والنزيه "إلا أن أمريكا كانت دائما تنتظر فشله، وكانت دائما تقارن نتائجه بتقارير المخابرات التي أثبتت دائما أنها لا تمتلك معلومات كما يقول بليكس، والاهم بتقارير المرتدين الهاربين من العراق والذين قدموا معلومات مضللة كثيرة.
ما يستنتج من "ذكريات "بليكس العراق، انه كان يلعب في الوقت الضائع، ففي الوقت الذي وجد فيه أن التفتيش فرصة لإنقاذ العراق، وان تعاطي العراقيين مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدا مرنا ومن شأنه أن يقود الى نتائج ملموسة، بدا لبليكس أن الغزو بات هو القاعدة، وان الغزو سيكون بديلا للتفتيش، فقد بدا واضحا للجميع، أن أمريكا مصممة على غزو العراق، وهذا لا يعود الى أفعال ارتكبها العراق، بل الى الجراح التي تسبب بها تنظيم القاعدة وبدت الحرب تتحول الى واقع محتم كما يقول بليكس، وأضحت واقعا بالفعل، وقد بدا واضحا كما يقول إن أمريكا ستحاكم الرئيس العراقي على نواياه السيئة إن جاز التعبير في سعيه الى امتلاك سلاح نووي، وهذا ما عبر عنه جيدا الرئيس بوش في مقابلة معه عندما قال :ما من فرق حقيقي ما بين امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل وما بين نيته المحتملة باستحواذها .ففي كلا الحالتين، إن العالم في أفضل حال من دونه، وأنها كذلك بالفعل "
كانت طبول الحرب تدق، وقد وصل الجنود الى حدود العراق، وما من معجزة تحول دون الحرب، وحده قائد "الأرانب السرية المضطربة " بدا عليه الارتباك، تحت وقع طبول الحرب، وبدا للجميع أن ملامح وجهه وبدلته المجعدين قد انعكس على تقريره، فلم يكن حاسما ليردع الحرب، ولم يتضمن تقريره قولا فصلا بأن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل، لا بل انه وبعد مقابلة مع توني بلير في نهاية ذكرياته وفترة تفتيشه قال: لقد ملت شخصيا الى التفكير في أن العراق لا يزال يخبئ أسلحة دمار شامل "هذه القناعة الشخصية كانت تقوي منطق الحرب بدلا من أن تضعفه ، وبهذا تحول بليكس العراق الى جزء من الأجندة الأمريكية في حربها على العراق، وبدا واضحا أن البيت الزجاجي للأمم المتحدة لا يستطيع دفعا للبروباغندا الإعلامية الأمريكية التي تدق طبول الحرب.
هذا هو سلوك بليكس الذي كان يعلم أن الحرب قادمة، فلم يستطع مقاومة الأمريكيين الى الحرب ولا "خطة هجومهم" والسؤال: هل يسلك بليكس سوريا ولبنان، أي ديتلف ميليس الذي يحقق في قضية عادلة سلوك بليكس العراق، أم انه سيكون اقرب الى سكوت ريتر منه الى بليكس؟
تقريره يشي بأنه اقرب الى بليكس منه الى ريتر، خاصة وان تقريره مثل تقارير بليكس تقول كل شيء ولكنها لا تحسم شيئاً.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018