ارشيف من : 2005-2008

على دمشق أن تتحلى بأقصى درجات الحذر والحكمة

على دمشق أن تتحلى بأقصى درجات الحذر والحكمة

بقلم : ماريانا بيلينكايا‏

يستطيع الدبلوماسيون الروس وزملاؤهم من الصين والجزائر وبعض البلدان الأخرى كالهند والبرازيل أن يحتفلوا بنجاحهم بعد أن حالوا بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن الدولي وبين تمرير مسودة قرار لا يستند إلى أية أسس قانونية، ويهدد بفرض عقوبات على سوريا.‏

لقد كان بإمكان صدور القرار بالصيغة الأولية التي طرحتها واشنطن وباريس ولندن أن يضع منطقة الشرق الأوسط على شفا نزاع جديد، ولكن ذلك لم يحدث. ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن هذا النجاح مؤقت فقط، ولهذا فإن سوريا غير راضية عن القرار 1636.‏

وقد حصلت دمشق وفق هذا القرار على مهلة حتى الخامس عشر من شهر ديسمبر القادم حيث ستبدأ المناقشات من جديد. فهل ستضع سوريا الأطراف التي حاولت الدفاع عنها في اجتماع مجلس الأمن الدولي على مستوى وزراء الخارجية الذي عقد في نيويورك في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر الماضي في موقف محرج؟‏

وقد دلت نتائج الاجتماع على أن روسيا وشركاءها أخذوا على عاتقهم المسؤولية عن تصرف سوريا. وذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه أمكن تحقيق أهم شيء، وهو تركيز الاهتمام في قرار مجلس الأمن الدولي 1636 على التحقيق في قضية مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.‏

وتتولى اللجنة الدولية برئاسة الألماني ديتليف ميليس مهمة التحقيق في هذه القضية. ونعيد إلى الأذهان أن التقرير الأولي لهذه اللجنة أشار إلى وجود صلة للأجهزة السورية الخاصة بهذه الجريمة.‏

كما ذكر لافروف أن واضعي القرار اعتبروا أن من الممكن مراعاة مقترحات روسيا وغيرها من أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين سعوا إلى نزع الطابع المسيس عن القرار، وإبقائه في إطار التحقيق، وأن لا يتضمن أية تهديدات أو تشكيك بمبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته".‏

ويعد ذلك بلا شك نصرا لموسكو لأن روسيا وشركاءها تمكنوا من استبعاد النقاط التي لا تمت بأية صلة لقضية اغتيال الحريري من القرار. ويمكن أن نتبين طبيعة تلك النقاط من نص المقابلة التي أجرتها قناة "العربية" الفضائية مع الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل يوم واحد من انعقاد اجتماع مجلس الأمن الدولي.‏

وقد صرح بوش بأن "من الضروري الضغط على دمشق من أجل أن يفهم السوريون أنهم لن يتمكنوا من التستر على التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى تقويض عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. وعلى السوريين أن يكفوا عن التدخل في شؤون لبنان والسماح بانتقال المقاتلين إلى العراق لقتل الناس الساعين هناك إلى الديمقراطية".‏

ومما لا شك فيه أن سوريا مهددة بفرض عقوبات دولية عليها في حال رفضها التعاون مع لجنة التحقيق. وقد كان موقف روسيا وشركائها حازما عندما أكدوا على أن تهديد سوريا بالعقوبات أمر عديم الجدوى، ولن يؤدي إلا إلى مأزق. ولا تستطيع السلطات السورية كأية سلطات في بلدان العالم الأخرى التعاون مع طرف يسعى إلى لي ذراعها، ويراها مذنبة مسبقا.‏

وقد تضمن القرار بفضل جهود روسيا والصين والجزائر وبلدان أخرى صيغة مغايرة تماما للتهديد بفرض عقوبات على سوريا في حال عدم تعاونها مع لجنة التحقيق في مقتل الحريري. وتنص الصيغة الجديدة على إمكانية النظر في اتخاذ إجراءات أخرى في حالة الضرورة إذا لم تتعاون سوريا مع اللجنة المذكورة.‏

ومما لا شك فيه أن هذه الصيغة لا تعتبر نموذجية بالنسبة لدمشق، ولكنها تفضلها على الصيغة الأولية للقرار. وقد أقر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن هذا القرار غير مثالي، ولكن يمكن العمل معه.‏

وتؤكد موسكو أن الخلافات في الرأي بين أعضاء مجلس الأمن الدولي في أثناء المناقشات يجب أن لا تعتبر مبررا لعدم تنفيذ المطلب الأساسي المتعلق بضرورة تعاون جميع الدول مع لجنة التحقيق. وأكد لافروف أن هذا المطلب موجه أولا نحو سوريا.‏

وذكر في الوقت نفسه أن القيادة السورية راغبة بالتعاون، وبقي فقط التأكد من ذلك على أرض الواقع. وتعني الكلمات الدبلوماسية للوزير الروسي أن الوقت غير مناسب لإطلاق التصريحات المدوية. وإذا كان السوريون غير مذنبون في هذه القضية فعليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل إقناع الآخرين ببراءتهم. ولا بد من الإشارة إلى اقتناع واشنطن وباريس ولندن بعكس ذلك مهما كان هذا الأمر غير مريح بالنسبة لسوريا.‏

وصرح لافروف بأن روسيا ستعمل من أجل تنفيذ الوعود التي أطلقتها سوريا بشأن التعاون مع اللجنة المستقلة. وقد ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المسألة مع نظيره السوري بشار الأسد في مكالمة هاتفية أجرياها مؤخرا. وستحاول موسكو من جهة أخرى أن تتابع التحقيق من أجل أن يكون مهنيا وغير متحيز.‏

ويجب على دمشق أن تتحلى بأقصى درجات الحذر والحكمة. وعلى الرغم من أن مرحلة صعبة ستكون بانتظار الرئيس السوري بشار الأسد إلا أنه لن يكون وحيدا على الساحة الدولية فلديه دعم من الجزء الأكبر من المجتمع الدولي الذي يثق به ويعلق عليه الآمال.‏

(*) المعلقة السياسية لوكالة نوفوستي‏

2006-10-30