ارشيف من : 2005-2008

ميليس الصارم في الشق السوري، سيعمل خلف واجهة القضاء اللبناني

ميليس الصارم في الشق السوري، سيعمل خلف واجهة القضاء اللبناني

كتب جوني منيّر في صحيفة الديار 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005‏

يريد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ان يكون العرض العسكري في ذكرى عيد الاستقلال هذه ‏السنة استثنائياً، بما يعني ان يعكس روح القوة. ‏‏

وانطلاقاً من هذه "الرغبة" سيشهد العرض العسكري هذه السنة عرضاً يشبه العروض التي كانت ‏تجري قبل العام 1975. اي بدل الاكتفاء باستعراض فرق رمزية لكافة الوحدات والقطع، من ‏المفترض إنزال قوى أكبر واسلحة أكثر، بما فيها المدرعات والمدفعية الثقيلة، وهنالك من ‏يتحدث عن استعراض سيشارك فيه زهاء العشرة آلاف جندي.‏‏

وقد تسري تأويلات كثيرة غداً حول المقصود من عرض القوة هذا في هذا الظرف بالذات قرب ‏ضريح الرئيس رفيق الحريري وبعد استعراض حزب الله لقوته في يوم القدس.‏‏

وفي السياق نفسه ربما، سيزور قائد القوات الاميركية في المنطقة الجنرال جون ابي زيد لبنان، ‏قبيل انتهاء السنة الحالية. هذه الزيارة التي بدأ الاعداد لها منذاكثر من شهر، ستكون ‏خاطفة لبيروت حيث سيلتقي بعض المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم قائد الجيش اللبناني ‏العماد ميشال سليمان.‏‏

وما بين هذين الحدثين، فإن تقرير لجنة التحقيق الدولية سيتركز هذه المرة فقط على سوريا.‏‏

تطورات كبيرة تنتظرها الساحة اللبنانية، ظاهرها هادئ، لكن باطنها مشبع بالاشارات ‏الصارمة، والايحاءات البليغة.‏‏

وتحت هذا السقف الدولي الحازم يفتح القاضي ديتليف ميليس مرحلته الثانية من تحقيقاته في ‏ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وربما انسجاماً مع التوجه الدولي الصارم، باشر رئيس ‏لجنة التحقيق الدولي باعتماد اسلوب اكثر جفافاً هكذا يقول السفير الاوروبي البارز. ثم ‏يضيف بأن لجنة التحقيق الدولية لن تنتظر حتى منتصف كانون الاول لتبلغ الامم المتحدة بما ‏استجد معها، بل انها سترفع نتيجتها مع نهاية هذا الشهر كحد اقصى. بما معناه ان شهر ‏تشرين الثاني سيشهد تحديد ميليس لتقييمه لمستوى التعاون السوري. طبعاً، لا احد يتوقع ‏المعجزات على صعيد الادلة والاثباتات القضائية، الا ان اصحاب الشأن يعترفون بأن مهمة ‏اللجنة في هذه المرحلة هي مهمة سياسية اكثر منها قضائية و لهذا الامر تفسيره من المنظار ‏الدولي.‏‏

فصحيح ان لجنة التحقيق سترفع لائحة اسمية بعدد من المسؤولين السوريين (يبلغ عددهم حوالى 15 ‏اسماً) الا ان مهمة استجوابهم في شكل مباشر ستكون من مسؤولية القضاء اللبناني. اي ان ‏القضاء اللبناني سيستمع الى هؤلاء المسؤولين وهو من سيقرر من الذي سيصدر مذكرة توقيف ‏بحقه. اما دور اللجنة فستكون للمساعدة والمساندة. لا بل ان السفير الاوروبي البارز يقول ‏بأن فيما لو سارت الامور كلها كما هو مرسوم لها، فان عدداً من اعضاء لجنة التحقيق ‏الدولية سيبقى في لبنان، بعد منتصف كانون الاول المقبل لمساعدة القضاء اللبناني.‏‏

ولان الطابع الغالب على مهمة اللجنة حالياً هو الطابع السياسي، جرت اتصالات مكثفة داخل ‏اروقة الامم المتحدة تركزت حول ضرورة تهدئة المناخ السياسي في لبنان لإخلاء الاجواء امام ‏مهمة ميليس السورية. ذلك ان المفهوم في مسألة الطابع السياسي هو اعادة تثبيت المناخ ‏الدولي بعد ان اخذ معارضو هذا المناخ بعض النفس بعد صدور التقرير، وباشروا بهجوم مضاد ‏وهم يتحضرون لطلب اطلاق سراح الموقوفين الامنيين الاربعة.‏‏

فطُلب من ممثل الامين العام للامم المتحدة في الشرق الاوسط تيري رود لارسن ان ينفذ بعض الخطوات ‏التراجعية للتخفيف من اجواء التوتر التي تلت إعلان تقريره. وهو ما باشر به فوراً لارسن.‏‏

كذلك طلب من الحكومة اللبنانية تبريد الملف الفلسطيني بعض الشيء، وبوشرت اتصالات مع بعض ‏الاطراف اللبنانية لا سيما مع العماد ميشال عون من خلال بعض السفراء لوضع الملفات ‏الداخلية خارج اطار النزاع السياسي في هذه المرحلة، باختصار يجب تحضير الساحة وتفريغها ‏لمعركة ميليس - دمشق فقط دون غيرها من المعارك.‏‏

وربما في اطار هذا المطلب الدولي فوجئ العماد ميشال عون باتصالين متتالين من برنامجين ‏سياسيين في تلفزيون المستقبل لاستضافة العماد عون بعد شبه مقاطعة.‏‏

فكّر الجنرال جيداً في ما يعني ذلك، واستنتج فوراً ان هنالك توجيهاً باستضافته. واعطى ‏موافقته على احد هذين البرنامجين وهو يتحسب لاحتمال من اثنين. اما المطلوب استضافته لحشره ‏وبالتالي فتح مواجهة معه، أو فتح خطوط اتصال وتواصل. وانتظر حتى ساعة بدء المقابلة وهو ‏يضع اصبعاً على الزناد ويفتح اليد الاخرى للمصافحة. وعندما وجد ان الاجواء ايجابية ‏ويغلب عليها طابع المهادنة، اعتقد ان الذي يقف وراء "الود" الاعلامي الجديد هو النائب ‏وليد جنبلاط. فمرر خلال المقابلة رسائل ايجابية بالمثل. لكن الحقيقة ان النصائح الدولية ‏التي اسديت الى مختلف الفرقاء اللبنانيين بتبريد محاور الخلافات الداخلية، لأن المطلوب في هذه ‏المرحلة اكثر واهم من هذه النزاعات التي لا فائدة منها.‏‏

لكن ميليس على ما يبدو ليس متفائلاً بمهمته هذه المرة ايضاً. فهو أبلغ دوائر الامم المتحدة ‏انه لم يتلق اي اشارة اوكلام سوري جدي فيما يتعلق بمهمته الجديدة. وهو لذلك لن يتردد على ‏الفور في رفع تقريره الى مجلس الامن حول عدم التعاون السوري وهو ما يعني الكثير في المرحلة ‏المقبلة. ذلك ان السفير الاوروبي البارز يردد بصوت خافت بأن الكثير من الدول الاعضاء في ‏مجلس الامن الدولي والتي لا تخطر على بال احد تقف على مسافة بعيدة جداً من دمشق.‏‏

ويستذكر السفير الاوروبي البارز ما حصل في الامم المتحدة قبل ارسال القاضي ميليس ‏لتقريره، حيث يشير الى ان اللجنة الدولية ارسلت عبر الفاكس رسالةالى السفير السوري في ‏الامم المتحدة ابلغته فيها انها مستاءة جراء وعدم التعاون السوري معها، وان التقرير ‏سيذكر ذلك بكل وضوح.‏‏

وفور تلقي السفير السوري في الامم المتحدة رسالة لجنة التحقيق الدولية عبر الفاكس اتصل ‏فوراً بمساعد القاضي ميليس الذي كان في الامم المتحدة واسهب في شرحه حول ان التعاون ‏السوري كان كاملاً وانه يستغرب هذا الكلام، في محاولة لتليين موقف لجنة التحقيق الدولية. ‏ولكن التقرير صدر وفيه اتهام واضح لدمشق بعدم التعاون.‏‏

ثم يعقب السفير الاوروبي على روايته وهو يبتسم بخبث ليقول: كانت إشارة مجلس الامن واضحة ‏بعد التقريرالاول من خلال صدور القرار 1636، الا أن خطوته المقبلة ستكون عملية اكثر ‏منها تحذيرية.‏‏

2006-10-30