ارشيف من : 2005-2008
صحيفة الخليج الاماراتية/ الإسلام بين رسالة الزرقاوي ورسالة العقاد
رضي السماك
يالها من مفارقة مدهشة مفعمة بالدلالات والعبر والدروس السياسية والدينية تلك التي نجمت عنها مجازر الزرقاوي الأخيرة على أرض وطنه الأردن، وذلك كما تجلت في النماذج المتنوعة من ضحايا تفجيرات الفنادق الثلاثة الأبرياء.
فمع ان ضحايا الإرهاب المدنيين هم هم في اي مكان وزمان من العالم أياً تكن جنسياتهم وانتماءاتهم وأعمارهم أو مواقعهم الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية مما ينبغي إدانة مرتكبيها بكل حزم وقوة والتصدي لكل مخططاتهم الشريرة لإحباطها، إلا أن المصادفات شاءت هذه المرة أن يكون من بين ضحايا مجازر عمّان نماذج إنسانية تشي شخصياتها بالدلالات المفارقة الساخرة للنهج الارهابي الذي ترتكبه القاعدة وجماعة الزرقاوي وسائر الجماعات التي تدور في فلكهما داخل العراق وخارجه، وهو نهج لطالما توهمت، وللأسف الشديد، الكثير من قوانا السياسية والدينية العربية بأنها وشعوبها ستظل بمنأى آمن من شره إذا ما ظلت مكتوفة الأيدي صامتة تجاه جرائمه أو محابية له أو مبررة أو حتى مؤيدة.
وحسبنا هنا ان نشير الى ثلاثة مستويات من المفارقات المليئة بالعبر والدروس والدلالات، الأول على المستوى الفلسطيني حيث قضية العرب والمسلمين الأولى، والثاني على المستوى المحلي البحريني، والثالث على المستوى الفكري الديني:
فعلى المستوى الفلسطيني فقد كان من بين ضحايا مجازر عمان عائلة فلسطينية مكونة من 18 فرداً، تنتمي الى شعب منكوب يرزح تحت الاحتلال وما زال على مدى ما يزيد على نصف قرن يواجه المحن إثر المحن على أرضه وفي الشتات، ولطالما تشدقت الجماعات الدينية الارهابية، كالقاعدة، بالجهاد من أجل نصرته وتحريره، فأي مسوغ لهذه الجريمة النكراء تجاه هؤلاء الضحايا الابرياء؟
وعلى المستوى البحريني فقد طاولت، هذه العمليات واحداً من أبنائنا الشباب البررة ألا وهو الشهيد حمد جناحي، فضلاً عن اصابة الطالبتين الشابتين أمل فقيه وإيمان عبدالغفار بجروح بليغة حرجة. فما أحوجنا في هذه اللحظات العصيبة حكومة وشعباً وقوى سياسية ودينية لإبداء تماسك وحزم أكبر تجاه الإرهاب الذي أصبحنا غير آمنين على أنفسنا من شروره سواء داخل البحرين أم خارجها.
وكم كان حرياً لو ان الذين ساروا في مسيرة الجمعة التي دعا اليها “المؤتمر الدستوري” أجلوا مسيرتهم الى وقت لاحق في هذه الظروف العصيبة واقتصروها فقط على الحداد والتضامن والمواساة مع أهالي ضحايانا، وإعلان استنكارهم وتنديدهم بقوة لمرتكبي الحادث تماماً كما فعل المغرب بجميع قواه السياسية والدينية التي خصصت مسيرة شعبية حاشدة مخصصة تحديداً للتنديد بقيام نفس الإرهابيين الزرقاويين باختطاف عاملين اثنين بسفارته في بغداد رغم ان القوى المغربية لديها ما لدى قوانا البحرينية من مهام وأجندة سياسية ملحة.
وأخيراً فعلى المستوى الفكري والديني ولعله هنا هو الأهم لجهة تقويض نهج ومنطق هذه الجماعة الإرهابية التي ترتكب جرائمها باسم الإسلام، فقد كان من بين نماذج ضحايا عمان المخرج السينمائي العربي العالمي الكبير مصطفى العقاد، فما أشدها من مفارقة ساخرة تفرض نفسها بين رسالة العقاد التي نذر نفسه وحياته لتأديتها لنشر رسالة الإسلام الحقيقية بوجهها الحضاري الإنساني للعالم، ورسالة “القاعدة” التي شوهت هذا الوجه أيما تشويه وألحقت أبلغ الاساءة بسمعة الاسلام والمسلمين بتلك الجرائم أمام العالم.
العقاد بفيلمه الكبير “عمر المختار” حاز اعجاب العالم ولفت مختلف اتباع الديانات الى دور الاسلام إذا ما وظف توظيفاً صحيحاً في تعرية الوجه الحقيقي للمحتل وشحن الشعوب الرازحة تحته بقوة روحية هائلة لمقاومته شعبياً وهزيمته كما فعل عمر المختار في ليبيا الذي لم يوجه بنادقه إلا للاحتلال وقدم رقبته قرباناً لهذه المقاومة، أما الزرقاوي، كما القاعدة، ففعلوا كل ما يبرر وجود الاحتلال ويزين وجهه عبثاً عبر تلك الاعمال الارهابية التي تستهدف المدنيين العزل الابرياء. والعقاد بفيلمه الكبير “الرسالة” قدم من موقعه الفني واحدة من اعظم الرسائل لتبيان الوجه الحقيقي للرسالة المحمدية الإنسانية العظيمة على نحو فرض احترام واعجاب العالم من مختلف الديانات والثقافات، لا بل ان العديد ممن دخلوا الاسلام دخلوه على خلفية تأثرهم بهذا الفيلم.. والزرقاوي قدم أسوأ رسالة يمكن ان يقدمها واحد من اتباع هذه الديانة عن دينه.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018