ارشيف من : 2005-2008
طشقند تختار الخيار الجيوسياسي بتحالفها مع موسكو
بقلم ألكسي مكاركين(*)
لم يصبح توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوزبكي إسلام كريموف لمعاهدة العلاقات التحالفية بين روسيا وأوزبكستان مفاجأة. إذ تقارب البلدان بدأب خلال الأشهر الأخيرة . وازدادت في الوقت نفسه التناقضات بين أوزبكستان والغرب بسرعة. ولم تصبح أحداث أنديجان إلا ذروة هذه العملية. وينتقد الغرب طشقند بشدة متهما إياها بانتهاك حقوق الإنسان. ومن المهم بالنسبة لروسيا بدورها شراكة نفعية مع بلد كانت حتى الأمس القريب إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
وتصبح أوزبكستان الآن ليس مجرد شريكا لروسيا في إطار رابطة الدول المستقلة (كأوكرانيا أو جورجيا) بل حليفا لها. ويعزز مثل هذا التطور للأحداث مواقع روسيا في آسيا الوسطى. وتجدر الإشارة الى أن كازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان منضمة الى منظمة معاهدة الأمن الجماعي الموالية لروسيا أيضا. والبلد الوحيد المستثنى من ذلك التوجه تركمانيا التي تمارس سياسة الاكتفاء الذاتي.
ويقول الرئيس كريموف إن الكلام يدور عن منطقة لن يستطيع أحد أبدا أن يجادل وجود روسيا فيها. وأشار الرئيس الأوزبكي بشكل خاص أيضا خلال زيارته الى موسكو الى أن بلاده مهتمة بتنظيم التعاون مع منظمة الأمن الجماعي. ولهذا لا يستبعد تطوير علاقات التحالف بين موسكو وطشقند أكثر من الناحية التنظيمية المؤسساتية.
ونشير الى ظرفين هامين آخرين متعلقين بالمعاهدة التي تم توقيعها بين روسيا وأوزبكستان. أولا تتيح هذه المعاهدة للبلدين إمكانية استخدام المنشآت العسكرية لبعضهما البعض الآخر من أجل ضمان الأمن ودعم السلام والاستقرار وعلى أساس اتفاقات منفردة. وأدى هذا الى ظهور رواية مفادها أن المعاهدة المذكورة تقضي بإنشاء قاعدة عسكرية روسية في الأراضي الأوزبكية. ولكن الأمر مخالف إذ ان الكلام لا يدورعن إنشاء قاعدة بل احتمال ذلك نظريا في المستقبل.
وليس من قبيل الصدفة أن مصدرا روسيا رفيع المستوى أعلن أن قضية إنشاء قاعدة عسكرية روسية في أوزبكستان غير مدرجة الآن في جدول الأعمال. وبهذه الصورة لا تنص خطط روسيا أبدا على إزعاج الولايات المتحدة التي تقوم الآن بإجلاء قاعدتها من خانآباد. ومن الواضح أن موقف الأمريكيين سيكون سلبيا من ظهور قاعدة عسكرية روسية في أوزبكستان بشكل سريع. ولكن روسيا في الوقت نفسه تحتفظ بحقها هذا في المستقبل.
ثانيا لفت الرئيس كريموف قبل توجهه الى موسكو النظر الى أن المعاهدة تنص أيضا على الاتفاق على تقديم المساعدة المتبادلة في حالة تعرض أحد الطرفين للعدوان. وقال كريموف إن كل محاولات التدخل الخارجي مهما كانت ستقارن بالأعمال المماثلة التي يمكن أن تتخذ تجاه روسيا. ولهذا يرى الرئيس أن "على بعض الأطراف أن تستخلص النتائج انطلاقا من وقائع أخرى. أي أنهم إذا هجموا علينا فإنهم يهاجمون روسيا. وأرى أن أناسنا يدركون مثل هذه الآفاق وأهميتها".
إن مثل هذه البنود موجودة في الواقع في أية معاهدة حول التحالف العسكري بين الدول وإلا فإن المقصود هو إعلان للنوايا لا يلزم أي طرف بأي شيء. ومن الواضح أن المعاهدة تنص على مواجهة العدوان الخارجي بالذات بشكل متبادل، ومن الضروري أن يتم بدقة تحديد واقع العدوان. علما بأن قمع الاضطرابات الداخلية يعتبر من صلاحية كل بلد على حدة. ولهذا لا يترتب من نص المعاهدة أبدا على أن روسيا يمكن أن تنجر الى نزاع جديد على شاكلة النزاع الأفغاني. ولكن هذا بالطبع لا يستبعد تبادل المعلومات حول تجار المخدرات والمتطرفين الأصوليين الذين يهددون مصالح كلتا الدولتين.
ومن الواضح أن مثل هذه المعاهدة التحالفية "المطورة" تقوم بدور خاص إذ وقعت في وضع تتعرض فيه طشقند لضغط شديد من قبل الغرب الذي يحول نظام كريموف بشكل متزايد الى نظام جديد "منبوذ". وتجدر الإشارة الى أن مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي طالبت بفرض عقوبات على أوزبكستان ورفع دعوة على الرئيس كريموف في المحكمة الجنائية الدولية. وفرضت حكومات دول الاتحاد الأوروبي مؤخرا حظرا على توريد الأسلحة الى أوزبكستان كما منعت لمدة عام منح التأشيرات لـ12 شخصا من ممثلي السلطات الأوزبكية.
ولا يبقى أمام طشقند في هذه الحال خيار آخر باستثناء الرهان على الصداقة مع موسكو المهمة للغاية بالنسبة لكريموف. فمثلا بإمكان روسيا بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي استخدام حق الفيتو ضد أي قرار يقضي بفرض عقوبات على أوزبكستان. أما فيما يتعلق برد فعل الغرب السلبي فإنه لا يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لروسيا الآن. فقد ولّت أولا التسعينات عندما كانت البلاد مرتبطة بالقروض الغربية. ثانيا هناك حجج أكثر أهمية "لتصفية الحسابات" (مثلا انتخابات الرئاسة في بيلوروسيا في العام القادم). ثالثا (وهذا هو الأهم) تلعب البراغماتية دورا ملموسا أيضا في الغرب فالتعاون مع روسيا في مجال الغاز بالنسبة للعديد من السياسيين الأوروبيين له أهمية أكبر بكثير من الأحداث في آسيا الوسطى البعيدة عن برلين أو باريس.
(*)نائب المدير العام لمركز التكنولوجيات السياسية في روسيا
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018