ارشيف من : 2005-2008
"إسرائيل": انطلاق السباق
كتب جوزف سماحة في صحيفة السفير 24/11/2005
قرّر أرييل شارون الانسحاب من طرف واحد من غزة ونفّذ ذلك. ثم قرّر الانسحاب من طرف واحد من "ليكود" ونفذ ذلك. أقدم على الخطوة الأولى لأنه كان يواجه صعوبات حيث هو، ولأنه يريد تحسين شروط إدارة الصراع على الضفة الغربية. أقدم على الخطوة الثانية، أيضاً، لأنه كان يواجه صعوبات حيث هو ولأنه يريد تحسين شروط إدارة الصراع على رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
كانت إسرائيل في وضع لا يخلو من الغرابة. فمن جهة ثمة حزبان داخل حزب واحد (ليكود) ومن جهة ثانية ثمة "لا حزب" (العمل). ولكن مع وصول عمير بيرتس إلى زعامة "العمل" وخروج شارون من "ليكود" تراجعت الغرابة بعض الشيء: إن ثلاثة تيارات رئيسية تهيكل الحياة السياسية الإسرائيلية وتقترح على الناخبين خيارات واضحة.
1ـ اليمين الأقصى: يستطيع "ليكود" أن يشكل نواة ائتلاف يحتل الموقع اليميني الأقصى في المشهد الإسرائيلي. إنه اليمين الأقصى الذي يحاول أن يكون أميناً لتراث "التحريفية الصهيونية". يعلن طموحه للاحتفاظ بأرض "إسرائيل الكبرى" موافقاً على إعطاء الفلسطينيين المقيمين فوقها حق حكم أنفسهم، أو، بالأحرى، إدارة شؤونهم في ظل السيادة الإسرائيلية على الضفة. لم يحتمل هذا الفريق إعادة الانتشار في غزة وهو في غير وارد أي "تنازل" في "يهودا والسامرة".
2ـ اليمين: ينوي أرييل شارون وحزبه الجديد "المسؤولية الوطنية" تشكيل نواة هذا اليمين الجديد. قد يؤيّد "شينوي" أطروحاته حول التسوية. وليس مستبعداً أن يلتحق آخرون من حزب "العمل" بحاييم رامون الذي سارع إلى الانتقال إلى صفوفه. البرنامج الشاروني واضح. فهو يريد اقتطاع أكبر مساحة ممكنة من أرض الضفة يقطنها أقل عدد ممكن من الفلسطينيين من أجل ضمها إلى إسرائيل. وحصة الفلسطينيين، بعد غزة، مجموعة من البانتوستانات المعزولة عن بعضها، والمبعثرة، التي يمكن لقاطنيها أن يسموها "دولة".
وإذا كان شارون يعلن أنه سيخوض الانتخابات تحت يافطة "خريطة الطريق" فإن القصد من ذلك هو:
أولاً: عدم الاصطدام بالمجتمع الدولي (اقرأ: الولايات المتحدة) والتظاهر أنه يلعب تحت سقفه.
ثانياً: الإصرار على التحفظات التي اقترحها على "الخريطة" وعلى التفسير الإسرائيلي لها الذي ينكر التوازي ويضع الفلسطينيين أمام مهمة وحيدة هي الاحتراب الداخلي بحجة تفكيك بنى الإرهاب.
ثالثاً: تذكير الجميع بأن مهمة "الخريطة" هي إيصال الإسرائيليين والفلسطينيين إلى عتبة التفاوض حول الوضع
النهائي وقضاياه مما يعني، في المدى المنظور، عدم التطرق إلى القضايا الجوهرية المتنازع عليها.
رابعاً: اقتراح الحل المؤقت المديد بعد "الخريطة" بحيث يستطيع الفلسطينيون، إن أرادوا، إعلان دولة مؤقتة بحدود مؤقتة تفاوض، إلى ما شاء الله، حول مصير القدس، واللاجئين، والمناطق الأمنية، والحدود النهائية.
خامساً: الإمساك المستمر بورقة تكرار الخطوات من طرف واحد بحيث تتحول، كما يرى شارون في خطة غزة، إلى عقوبة مفروضة على الفلسطينيين تصل إلى ذروتها في الاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه وترك الباقي معلقاً.
ولقد نقلت صحف إسرائيلية أمس عن أحد مستشاري شارون قوله "إن خريطة الطريق ثورية" لأنها "ألغت معادلة الأرض مقابل السلام" وأحلت محلها معادلة "الاستقلال مقابل الأمن". ويعني ذلك بالملموس أن "الدولة" هي الأساس وليس الحق في الأرض، وأن الأمن هو المقصود وليس السلام الموهوم. بكلام آخر إن "الخريطة" هي، في عرف شارون، بديل ل"اتفاق أوسلو" الذي ارتكب "جريمة" الإقرار بأن المشكلة هي الاحتلال لا "الرفض العربي لحق إسرائيل في الوجود".
3ـ الوسط: صحيح أن عمير بيرتس هزم شمعون بيريز في انتخابات "العمل" بشعارات "يسارية". ولكن الأصح، في مثل هذه الحالات، أن الانتخابات الحزبية في العمل تُربح على اليسار ولكن الانتخابات العامة تربح في الوسط ولكن السلطة تمارس، في أفضل الحالات، عند يمين الوسط. لا ضرورة لإشاعة الأوهام حول برنامج بيرتس. ولكن في الإمكان القول إن الرجل قد يكون مهتماً بالدخول في مفاوضات من أجل إيجاد حلول لقضايا الوضع النهائي وذلك في محاولة لبعث "أوسلو". إن هذا "التراجع" في ما يخص الشكل والمسار لا يلغي أن بيرتس قد لا يتقدم أكثر بكثير مما أقدم عليه إيهود باراك.
أفادت استطلاعات الرأي، غداة "الخبطة الشارونية" أن رئيس الحكومة الحالي متجه إلى انتصار واضح في الانتخابات القادمة بعد أربعة أشهر، وإلى أنه سيتمكن من إجراء مناقصة على برامج الآخرين تتيح له أن يضم إلى الحكومة الجديدة من يقترب إلى التماهي معه ويوافق على تكرار المهزلة التي ارتكبها شمعون بيريز في الحكومة الراحلة. إلا أن المراقبين يجمعون على القول بأنه من المبكر جداً إطلاق تقديرات، ومن الخطأ الركون إلى استطلاعات تلتقط مزاج هذه اللحظة.
لم يسبق في تاريخ "الدولة" أن نجح حزب نشأ في مناسبة انتخابية في انتزاع انتصار حاسم. كذلك لم يسبق أن استلم السلطة حزب يدعي "الوسطية". إلى ذلك فإن الأسابيع الفاصلة عن الانتخابات حافلة بتطورات إقليمية ومحلية مهمة، ليس أقلها الانتخابات الفلسطينية نفسها، بحيث يستحيل، منذ الآن، الاطمئنان إلى طبيعة المحصلة النهائية.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018