ارشيف من : 2005-2008

"سأحكي لأحفادي أنني رأيت السيد"

"سأحكي لأحفادي أنني رأيت السيد"

صحيفة "السفير"- صفحة الشباب / عماد الدين رائف‏

يقف حسن الصغير على بعد أكثر من سبعين خطوة من أبي خليل الذي تجاوز السبعين، بينهما يمتد بحر هائج من الشباب يصرخون "يا ألله يا ألله.. إحفظ لنا نصر الله". يرتقي السيد درجات معدودة يرتقيها دائما ليحرك مشاعر ذلك البحر من البشر، يكلم الجموع بلغتهم، بابتسامته، ببحة عارضة في صوته، بآيات قرآنه، يثير فيهم حبه وحب سلسلة طويلة من الشهداء والقادة والصديقين يختفون خلف عمامته السوداء، يطلون بحذر مع تفاعلات صوته الملتهب.‏

"بدأ الشيب يغزو مبكراً لحيته"، يقول أحمد الذي يأبى أن يفكر للحظة أن السيد قد بدأ يشيب فعلاً. يحتفظ في ذاكرته المتجددة بلقاءاته المتواصلة من تحت المنبر، وعلى شاشة التلفزيون، بصورة "القائد المجاهد الشاب الذي قهر العدو الإسرائيلي، ذلك العدو الذي اعتبر كثيرون انه لا يقهر". أبو هادي، أي أبو الشهيد، يخاطب آباء الشهداء كأخ لهم، يبقى هادي حاضراً في حديث زينب، التي فقدت أخاً لها في ساحات المواجهة "مع أعتى آلة عسكرية في الشرق الأوسط" كما تقول. تحرك الفتاة السمراء يدها بحركة عفوية متحسسة طرف منديلها الأسود الذي يستر جزءا من ذقنها، وتضيف: "عندما يقف السيد أمامي على المنبر أحس انه يوجه الخطاب إليّ شخصياً، أسمع كل كلمة يقولها، أحبس أنفاسي طويلا كي لا أفوّت كلمة واحدة من الخطاب".‏

سعيد لم يتجاوز العشرين، لم ينخرط في حزب الله كمنظم لكنه لا يفوت أي إطلالة للسيد، يقول: "أحس عندما أسمعه كأن الدنيا بألف خير"، طمأنينة غريبة تتملك الشاب وهو ينظر إلى صورة السيد التي يحتفظ بها في محفظة جيبه الجلدية، يضيف: "يخبرني أبي عن أيام عبد الناصر، وكيف كان الناس يختفون من الشوارع عندما كان يخطب القائد المعلم، أنا أعتقد أن السيد حسن أعظم من عبد الناصر بخاصة في زمن الفضائيات فهو قد وصل إلى قلب كل عربي ومسلم". ينظر علي إلى السيد من جهة أخرى، فيعلق على كلام زميله: "المسألة أن الإسرائيليين يحترمون السيد فكيف لا نحترمه نحن، أكثر ما شدني إلى السيد هو ردة فعل الإسرائيليين تجاه تصريح السيد حسن عند اختطاف الكولونيل الإسرائيلي، فهم حتى قبل أن يتأكدوا من خبر الاختطاف، أو من هوية المخطوف، صرحوا بأنه إن قال السيد حسن ذلك فهو صادق".‏

لساعات يمكن لندى أن تقف مهما كانت حالة الطقس لتنتظر خطاب السيد، وهي في انتظار على أحر من الجمر منذ خطاب "يوم القدس العالمي" حتى يوم وصول جثامين الشهداء لترى الرجل. عند سؤالها عن أهمية هذا المشهد المتكرر للرجل نفسه، تضحك ضحكتها المميزة لتقول: "يمكنني أن أؤكد لك انه سيشرفني أن أخبر أولادي ثم أحفادي، إن عشت، أنني رأيت السيد حسن نصر الله شخصيا واستمعت لخطاب من خطاباته".‏

يستعرض الشباب أيام السيد الشاب في أحاديث متقاطعة مع أحلامهم وآمالهم المعقودة عليه وعلى المقاومة، فيمر الشريط منذ استلامه للأمانة العامة لحزب الله مع استشهاد سلفه السيد عباس الموسوي، الذي اغتالته المروحيات الإسرائيلية بعد خطابه الشهير في جبشيت. "منّ الله علينا بالسيد حسن نصر الله بعد استشهاد السيد عباس، أتى السيد حسن بنصر من الله تعالى"، كما يقول إيهاب. "تميز السيد حسن بحكمة واضحة في سياسته في عدوان 1993، فلم تستطع إسرائيل أن تحصل على ما تريد، سد على اليهود كل المنافذ". رضا، العائد من جامعته يسره كثيرا أن يتكلم عن السيد حسن، فهو يشتري كل الكاسيتات التي تتضمن أجزاء من خطابات السيد ممتزجة بأناشيد حزبية تابعة للمقاومة الإسلامية، يقول: "قد ما حكيت عن السيد لن أقدر أن أعبر عن محبتي له، الرجل لا يوصف، ألا يكفي انه رفع رأسنا ولن ينحني هذا الرأس بإذن الله بعد الآن". ومن عدوان ال 93 إلى"عناقيد الغضب التي نتج عنها معادلة توازن الرعب مع دولة العدو" ينقلنا إيهاب، فتشع عيناه ببريق غريب لدى ذكره للتحرير الذي " لم يكن لينجز لولا أبو هادي وعزيمة المقاومين ودماء الشهداء".‏

في فيلمه "همّام في أمستردام"، حالما يعرف همّام (محمد هنيدي) أن زميله في السكن من لبنان حتى يسأله: "عندك صورة لحسن نصر الله؟"، هكذا يعبر ماهر، السوري القادم من جنوبي مدينة حلب عن مدى انتشار حب السيد حسن في قلوب الشعوب العربية، يقول "عندما يتكلم السيد حسن يتردد صدى صوته في كل بيوت القرية. كل أجهزة التلفاز تكون على أعلى حس على المنار، ومن لا يملك تلفازا يلجأ إلى جيرانه ليستمع إلى السيد، الرجل الذي حقق معجزة الانتصار على "إسرائيل". فالضاحية الجنوبية لبيروت لا تختلف عن الجنوب اللبناني أو عن بقاعه في تلك النظرة، ينتشر‏

"التبجيل" الخاص بشخصية السيد المقاوم إلى أقطار بعيدة في العالم. يندر أن يجد الزائر للاذقية على الساحل السوري مثلاً، فاناً لا يحمل صورة السيد، كل الفانات المتجهة إلى الشاطئ الأزرق، ورأس شمرا، المنطقة السياحية الفينيقية المشهورة، تحمل صورة السيد ذي العمامة السوداء قرب صورة بشار الأسد.‏

صور السيد صغيرة وكبيرة تملأ الشوارع والدكاكين والبيوت في الضاحية الجنوبية، تحملها النسوة في جزادينهن، الشباب والشيب والأطفال بمناسبة وبدونها، تحتفظ بها الثكالى قرب صور شهدائهن. رجل دين مسلم في عمامة سوداء، جبة وابتسامة، نظرة من خلف نظارتيه تنبئ أن الرجل ينظر إلى ما خلف تلك الجموع المحتشدة في انتظاره، إلى تحقيق ما يعد به، وهو كما يقول خالد: "يفي بوعوده دائما". صورة السيد متوسطة الحجم في دكان يوسف الفلسطيني. يوسف يهاجم في حديثه اليومي كل الحكام والقادة العرب. يقول عن السيد، بعد أن يستثنيه من الديباجة المعهودة عن حكام وقادة العرب:‏

"هذا غير كل القادة، هذا ماشي دُغري، هذا ماشي صح".‏

2006-10-30