ارشيف من : 2005-2008

لا تسويات في الأفق

لا تسويات في الأفق

كتب جوزف سماحة في صحيفة السفير‏

من المشاكل التي تعانيها الحياة السياسية اللبنانية هذه الأيام إمعان قسم من النخبة والقيادات في تحليل التطورات المؤثرة في الوضع اللبناني، وهي تطورات دولية وإقليمية، بوعي "مشيخي"، قروي، ريفي. يتجلى ذلك سواء في تنزيه الدول والمؤسسات الدولية عن السياسة والانبهار بأخلاقياتها ومثالياتها، أو في استحضار الكلمة السحرية التي يراد بها تفسير محطات أو انعطافات: الصفقة. والمفارقة أن وهم التنزيه ورهاب الصفقة غالباً ما يتعايشان في الوعي الخرافي الواحد.‏

ان نظرة سريعة الى ما يدور في المنطقة، والوضع اللبناني متداخل معه بشكل لا فكاك له عنه، تفيد في الاستنتاج بأن الأزمة المفتوحة، والتي زادتها حرب العراق احتداماً، لا تزال مفتوحة. إن المناخ العام، في منطقتنا، ليس مناخ تسويات على الإطلاق وهو كذلك لأن جذرية الحملة الكولونيالية تغذي وتتغذى من الاندفاعة التوسعية الصهيونية على خلفية استثمار الوهن المتعاظم في مناعة المنطقة.‏

إن ما يدور على المسار الاسرائيلي الفلسطيني لا يوحي ان تسوية ما في الأفق. لقد انتهى، بسرعة، الزخم المتولد من "خطة غزة". وبات واضحا أن الانتقال الى الخطوة التالية، الاستيلاء على شطر كبير من الضفة الغربية، والقضاء على احتمالات الحل، إن ذلك يستلزم تنظيم الاصطفاف الاسرائيلي. هذه هي وظيفة الانتخابات القادمة. لن يستطيع أرييل شارون المضي في مشروعه ما دام اليمين الاقصى في "ليكود" يكبله، ولن يستطيع حزب "العمل" البقاء قوة احتياطية له ما لم يشهد فرزاً داخلياً.‏

لو كنا في زمن آخر، أي لو كنا في زمن لا تطبعه الاندفاعة الكولونيالية الاميركية، لكان الغرب كله هلل لفوز عمير بيرتس بزعامة حزب "العمل" وإعلانه أنه يريد حلاً نهائياً. لكن الذي حصل هو تجاهل هذه الفرصة ورعاية مشروع إنشاء تكتل سياسي جديد يقوده شارون، والاهتمام بتأمين فرص الفوز له. لا معنى آخر لانتقال شمعون بيريز الى تأييد الحزب الجديد إلا إعطاء الاشارة بأن الشارونية هي المعبّر الاسرائيلي عن المزاج الأميركي الغربي في ما يخص التسوية.‏

والشارونية، على لسان صاحبها، هي قضم الضفة، وضم الكتل الاستيطانية، وغور الاردن، والمناطق الامنية، والقدس، ورفض عودة اللاجئين، وإحباط مشروع "الحل الدائم". إن الشارونية، في العمق، هي صيغة استمرار الإخضاع الصهيوني للشعب الفلسطيني.‏

ويدرك "الجنرال"، اكثر من غيره، أن مشروعه جزء عضوي من سياسة إجمالية في المنطقة. وهو اذ يشير الى ضرورة تجريد "حزب الله" من السلاح، والى اهمية استمرار الضغط على سوريا، والى الاستعداد لمواجهة إيران وبرنامجها النووي، فإنه لا يفعل سوى تحديد برنامج عمل ما يسمى "المجتمع الدولي"، وسوى إدراج التوسعية الصهيونية الواقعية (قياساً بما يريده نتنياهو مثلاً) في سياقه. وبهذا المعنى يبدو مشروع عمير بيرتس بالياً لأنه مشروع صهيوني تسووي ينتمي الى عصر ما قبل "البوشية".‏

إن ما يقترحه شارون هو، بالضبط، ما يجري تنفيذه وما نشهد تقارباً أميركياً أوروبياً حول بنوده.‏

إن أفق العلاقة مع إيران هو أفق تصعيدي. والافق الذي يرسمه جورج بوش للعراق لا علاقة له إطلاقاً بأي تسوية. وكذلك الامر في ما يخص لبنان وسوريا.‏

لا يمكن إنكار الصعوبات التي تواجه أي تصعيد مع إيران، ولا تأثيرات التعثر الاميركي في العراق وبدء التأشير على خفض قوات الاحتلال. ولا يمكن تجاهل الاضطرار الى التأمل في كيفية وكلفة استتباع لبنان وإجراء التغيير (للسياسة أو للنظام) في سوريا. لا يمكن إنكار ذلك طبعاً ولكن ذلك لا يعني إطلاقاً أن هناك من يفكر، ولو لحظة، في بلورة مشروع تسوية يمكن اقتراحه على المنطقة. إن أقصى ما يمكن الرهان عليه هو أن القوى الاجنبية، وركائزها المحلية، قد تدخل تعديلاً على إدارتها للمعركة، قد تغير تكتيكاتها، قد تقبل محطات هدنة، لا بل قد تتراجع أحيانا، ولكن الإطار العام باق كما هو.‏

3/12/2005‏

2006-10-30