ارشيف من : 2005-2008
من أوراق الصحف اللبنانية اليوم الثلاثاء 18 ت1/ أوكتوبر 2005
صحيفة السفير
من صف الشهود إلى قفص الاتهام
كتب جوزف سماحة
محمد زهير الصديق لغز من ألغاز التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. إنه، من وجهة نظر اللجنة، الشخص الغامض. يشاع، أيضاً، أنه النور الذي قذفه الله في صدر ديتليف ميليس ذات يوم حزيراني فكشف له "الحقيقة". إلا أن المحقق الألماني لم يذكره مرة. لا نعرف، بالضبط، ماذا قال الصديق لميليس، ولا ما جاء في إفادته. نسمع همساً يصفه بـ"الشاهد الملك"، أي الشاهد الخارج من داخل آلة القتل، والكاشف مفاصلها، وآليات عملها، والمشاركين فيها.
لكن محمد زهير الصديق، وفي رواية أخرى تتبلور منذ أسابيع، كناية عن محتال صغير، نصّاب، منتحل صفة، فار من الجندية، صاحب سوابق، لم يكن ضابطاً ذات مرة. تبرّأ منه أهله وحاولوا استثارة الشفقة عليه. سمعته سيئة. حط، فجأة، عند لجنة التحقيق في ظل ملابسات لم تنجلِ تماماً وشرع، منذ ذلك الوقت، يفبرك الحكايات.
كان الرجل، حتى أيام سابقة، نموذجاً لنجاح "الغموض البنّاء". لا يُذكر صراحة ولكن يُنسب إليه اكتمال رواية الجريمة: القرار، المستوى العالي للمسؤولية التنفيذية، اشتراك الضباط والأجهزة في سوريا ولبنان، الاجتماعات في شقق، الاستطلاعات لمسرح الجريمة، "البروفات" المسبقة، توزيع الأدوار بين المراقبة والرصد والتمويه والعبث بالمسرح. كان هذا "الغموض البنّاء" يريد الإيحاء، من دون التزام، إلى وجود مصدر لا يرقى إليه الشك.
ولكن عندما بدأ الشك يرقى بدأنا نسمع عن وجود شهود كثر. إنهم نوع من الاحتياطي القابل للاستخدام في حال أصاب عطب ما
"الشاهد الأول". غير أنهم شهود تكمن قوة إفاداتهم في أنهم يدعمون الإفادة المركزية.
ربما حوت قبعة ميليس غير شاهد. إلا أن ما يمكن تأكيده هو أن مواجهات من نوع خاص حصلت مع الضباط اللبنانيين المشتبه فيهم. وهي من نوع خاص لأن الشاهد كان مقنّعاً في حالة، وكان، في حالات أخرى، على شكل شريط فيديو. المهم أنه موجود وأنه قد يكون متعدداً. غير أن لحظة إثبات الوجود هذه كانت، أيضاً، لحظة انكشاف ثغرات سواء من الناحية القانونية أم من ناحية المعطيات. يعاني الشاهد (أو أكثر) من خلل ما.ولما أعلن، ذات مرة، أن التحقيق انتهى أو كاد، كان ذلك في عز المصداقية المعطاة لـ"شاهد ملك"، وقبل الاستفادة الكاملة من المعطيات التي استجدت لاحقاً والخاصة بالهواتف الخلوية. غير أن هذه الهواتف التي لا نعرف، حتى الآن، مَن استخدمها لم تفعل سوى توكيد الاتجاهات العامة التي كرّرها الصديق ولو لم ينسبها أحد صراحة إليه. مع ذلك، يمكن القول، إن دور الهواتف كان يرتفع ليملأ الفراغ الذي يحدثه انحسار صدقية الشاهد ولكن النتيجة تبقى نفسها.
يجب الاعتراف بأن أحداً لم يكن يتوقع مفاجأة بهذا الحجم وقبيل أيام من تقديم التقرير. تحوّل الشاهد الذي يؤشر على سلسلة القتلة إلى الحلقة الأولى في هذه السلسلة عينها. لم نعد أمام شاهد سوري يدلنا على المشاركين في الجريمة قراراً وتخطيطاً وتنفيذاً وتمويهاً، بل أمام شريك في هذه الجريمة. لقد انتقل محمد زهير الصديق من الشاهد السوري الأول إلى المشبوه السوري الأول في اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري. انقلاب دراماتيكي قلّ نظيره. إن لعبة الدمى الروسية حبلى، كما يبدو، بكثير من المفاجآت.
يسمح الانتقال من صف الشهود إلى قفص الاتهام بتفسيرين: الأول، انهيار الرواية، والثاني، ثبات الرواية.
تنهار الرواية إذا كان الشاهد يكذب. إذا كان يمارس نوعاً معيناً من الكذب ذا غرض ما. فما بُني على كلامه يخرج تلقائياً عن دائرة التصديق ويصبح مطلوباً تنقية التحقيق منه. يتوجب، في هذه الحالة، استمرار البحث، وتغيير المقاربات، والإتيان بأدلة إضافية، وإعادة البناء بمواد جديدة، مع احتمال فتح التحقيق على إمكانيات كانت مستبعدة.
تثبت الرواية إذا كان الشاهد يكذب لتبرئة النفس فقط لأنه يتحوّل، بذلك، إلى رأس الخيط الذي يقود صعوداً نحو كشف التسلسل الجرمي كله. يتحوّل من شاهد إلى دليل إذا ارتضى أن يكون المقابل لشهادته عقوبة لا مكافأة.
ربما علينا أن ننتظر لنرى أي صنف من الكذب اعتمد الصدّيق. إن شهادته، في دوره الجديد (الأخير؟) شديدة الأهمية، وكذلك ما قد يرد عنه في التقرير الصادر بعد أيام.
في غضون ذلك يصعب التصديق أنه لعب دوراً تضليلياً كاملاً. إن المنسوب إليه يكاد يتطابق مع ما يقال إن لجنة التحقيق توصلت إليه، وهو متطابق مع ما ورد في لجنة تقصي الحقائق، وهذا، بدوره، يؤكد ما ذهبت إليه "محكمة الحدس الشعبي" بالشعارات والصور التي رفعتها. إن لم يكن التطابق كاملاً فإنه أقرب إلى التقاطع حيث الاختلاف بالتفاصيل فقط. التضليل، إن وُجد، نسبي إذاً. ليس مضللاً مَن يعيّن المسؤولين عن جريمة فإذا بهم، بالضبط، المشتبه فيهم في لبنان أو المستمع إليهم كشهود في سوريا. وإذا كانت هذه طريقة شهود في تضليل التحقيق فإن قضاة كثيرين يفضلون هذا النوع من الشهود على غيره.
في انتظار أن نعرف تماماً مصير رواية الصديق علينا، ربما، أن نرحب بالرواية الوافدة لصاحبها... فركش!
فركش هو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء أهارون زئيفي. وهو أول مسؤول استخباري على هذا المستوى يقول "انه من المعلومات التي لدينا نشتبه في أن سوريا تقف وراء قتله أي الرئيس الحريري ومن المحتمل أيضاً تورّط جهات من حزب الله والإيرانيين... ربما استغل التنفيذ البنية التحتية لحزب الله من أجل إخراج العملية إلى حيز الفعل".
تناقض هذه الرواية المعطيات المتداولة حول عمل لجنة التحقيق الدولية وما أبلغته إلى لبنانيين معنيين حتى وإن كان بعضهم يصر على أنه لا ولن يسأل وأنه قد يصمّ أذنيه عندما يشرع ميليس في الكلام. ليس التناقض هو المهم. المهم هو أن يشرح لنا أحد سبب الشكر الذي استحقته "إسرائيل" في التقرير الإجرائي الذي رفعته اللجنة إلى مجلس الأمن.
صحيفة الديار
اعتقال الصدّيق في باريس وسقوط روايته وتأكيد ما كتبته الديار
من نقل الصدّيق الى أوروبا ودفع له الأموال وأسكنه الفنادق؟
كتب شارل أيوب
عندما تحدثت على التلفزيون وقلت أن رواية الصدّيق كاذبة، وقلت أني اترك مهنة الصحافة إذا كانت رواية محمد زهير الصدّيق للقاضي دتليف ميليس مبنية على أسس صحيحة، فلقد كنت متأكداً من خلال شقيقه عماد ومندوبي "الديار" الذين زاروا خلدة وبعقلين وقاموا بجمع المعلومات عن محمد زهير الصدّيق انه قد روى رواية كاذبة عندما قال أن الضباط الأربعة اللبنانيين اجتمعوا في شقة في حي معوض وكذلك اجتمعوا في شقته في خلدة كما قام الضباط الأربعة مع ضباط سوريين بقياس عرض الطريق أمام فندق السان جورج.
على أساس رواية محمد زهير الصدّيق أوقف ميليس الضباط الأربعة اللبنانيين، وذهب الى دمشق للتحقيق مع الضباط السوريين بشأن مشاركتهم في الإجتماع مع الضباط اللبنانيين في شقة في حي معوض.
السؤال الآن : ميليس في أزمة نتيجة سقوط محمد زهير الصدّيق واعتقاله، وبعد الآن سيقدّم أدلة أخرى، ونحن لم نعد نتدخل فيها، وكرئيس لجنة التحقيق الدولية هو حر في أن يفعل ما يريد، وهو سيقدم كل الأدلة لديه والبديلة عن رواية محمد زهير الصدّيق، لأن تقريره للأمم المتحدة أصيب بصدمة كبيرة نتيجة تأكيد خبر "الديار" منذ شهر، عندما كتبت كيف يستند التحقيق الدولي على رواية جندي فار.
وواقع الأمور أن محمد زهير الصدّيق قام بتضليل التحقيق، ولا بد من السؤال عن الجهة التي قامت بتمويله وإرساله إلى أوروبا ودفع إقامته في الفنادق الفخمة في جنيف واسبانيا وباريس، والتي دفعت له أموالاً كبيرة من اجل تقديم الإفادة الكاذبة للجنة التحقيق الدولية.
ان "الديار" وشارل أيوب قد قاما بجهدهما بشأن رواية محمد زهير الصدّيق الكاذبة، وأما تقرير ميليس فلم نعد نتدخل به طالما أن محمد زهير الصـدّيق تـم اعتـقاله، واصـبح يخضع للتحقيق لدى المدعي العام سعيد ميرزا والقاضي الياس عيد.
و"الديار" إذ تنشر ما كتبته في 2 تشرين الاول فليس من أجل استفزاز أحد، بل لتأكيد مصداقية الخبر الذي نشرته حيث جرى اتهام
"الديار" وشارل أيوب بأنهما لا يريدان الحقيقة، وها إن الحقيقة قد ظهرت أمام التحقيق الدولي وجرى توقيف محمد زهير الصدّيق أمام المحكمة الفرنسية.
وهنا لا بد من طرح أسئلة: فمحمد زهير الصدّيق هو مجند سوري فار، وسكن في فرنسا واسبانيا وفيينا وجنيف في أفخم الفنادق، وقام بصرف الأموال واتصل مرات عديدة بوسائل إعلام مهدداً، ولذلك بعد اعتقاله وتوجيه التهمة إليه بأنه ضلل التحقيق، فلا بد من طرح السؤال وترك التحقيق يأخذ مجراه والسؤال هو: مَن الذي دفع الأموال الى محمد زهير الصدّيق لإعطاء إفادات كاذبة للجنة التحقيق الدولية ضد سوريا وضد الضباط اللبنانيين الأربعة الذين جرى توقيفهم على أساس إفادته وتوجيه التهمة اليهم في خطة للضغط على لبنان وسوريا، وتقديم سلسلة أكاذيب منها أن الإجتماع جرى في الضاحية الجنوبية في حي معوض كي تجري الدلالة على حزب الله، لأن حزب الله هو صاحب النفوذ في الضاحية الجنوبية، وذلك في خطة ومؤامرة لزرع الفتنة في لبنان وضرب النظام السوري الممانع في وجه "اسرائيل" وأميركا، والخضوع لهما.
اسئلة نطرحها للرأي العام بعدما دقت ساعة الحقيقة وانكشفت الحقيقة، وقد انتهت مهمة "الديار" وشارل أيوب في هذا المجال، واصبح التحقيق المسؤول عن القضية، وبات عليه ان يقدم أجوبة للرأي العام اللبناني والسوري والعالمي، كيف اقتنع ميليس برواية الصدّيق وأوقف الضباط الأربعة وذهب إلى دمشق للتحقيق مع كبار المسؤولين على أساس رواية محمد زهير الصدّيق الذي أعلن انه كان رائداً في المخابرات السورية ومدير مكتب اللواء حسن خليل فيما هو مجند سوري فار سكن في خلدة وبعقلين وتزوج فتاة من الجبل وفتاة من الشوف، وجرى توقيفه في مخفر بعقلين، وقامت قوة سياسية بالافراج عنه ودعمه.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018