ارشيف من : 2005-2008
فرنسا والمانيا تضعفان مكانة أوروبا في الصين
كريس باتين(*)
فرنسا وألمانيا تضعفان مكانة أوروبا في الصين ... تعسر ولادة سياسة خارجية أوروبية، سببان كانا وراء تعسر ولادة سياسة اوروبية خارجية مشتركة. السبب الأول اسمه جاك شيراك والثاني اسمه غيرهارد شرودر. وتتحقق صحة هذا الرأي اولاً في صدد علاقات اوروبا بالولايات المتحدة وروسيا والصين. ولا ريب في ان معارضة القادة الفرنسيين والألمان غزو الولايات المتحدة العراق كانت مسوغة ومعللة. ولكن سياستهم، في مجملها، ترجحت بين خصومة متنطحة وبين مداهنة رخيصة. وأفضت، في نهاية المطاف، الى استحالة إرساء علاقات مستقلة ومتماسكة بواشنطن ومعها.
وأما في شأن روسيا، فمال المستشار الألماني، السيد شرودر، الى التصدر الشخصي والأناني، وانبهر بطلاقة فلاديمير بوتين في التكلم بالألمانية، وجذبته موارد الطاقة التي تملكها موسكو. فتجاهل مصالح بولندا وأوكرانيا ودول البلطيق، ولم يول مشاعر شعوبها المتخلفة عن تجاربها التاريخية اعتباراً. والحق ان اوروبا تحتاج الى الموارد الروسية، إلا ان روسيا، بدورها، لا غنى لها عن بيع نفطها وغازها الى جيرانها الأوروبيين. ويكاد يقتصر ما نملكه من اشياء ثمينة تعطيها الى الاتحاد الأوروبي، على هذه الموارد. ولعل العلاقة بالصين هي المضمار الذي اصيب بأكبر قدر من الخسائر. فعلى خلاف محللين استراتيجيين اميركيين كثر، لم يحمل الأوروبيون تعاظم دور الصين وقوتها على محمل التهديد. فالصين امتلكت، اولاً، اكبر اقتصاد في العالم طوال 18 قرناً من القرون العشرين الأخيرة. واحتمال لحاقها الولايات المتحدة وأوروبا في مضمار دخل الفرد، ثانياً، ضعيف، فالميزان السكاني يوحي بغلبة التقدم في السن على سكانها قبل بلوغها مستوى غنى البلدان الغربية. وصين مزدهرة ومستقرة خير لنا، ثالثاً، صين فقيرة ومنقسمة. فهي تشتري سلعنا وتصنع شطراً لا بأس به مما قد نستهلكه بسعر اقل من سعره لو صنعناه نحن. وتبلغ نفقاتها العسكرية، رابعاً، ثمن نظيرها الأميركي. والنزعة القومية الصينية المتعاظمة قد تبعث على القلق اذا أفلتت من عقالها، على نحو ما حصل لليابان في اعوام 1930.
ولكننا، عموماً، على حق، في اوروبا، حين نخلص الى ان الصين، على رغم حال حقوق الإنسان الرديئة في ربوعها، لا تغدو تهديداً إلا اذا أخفق مسعاها الاقتصادي وتعثر. وأوروبا ارست استراتيجيتها على هذا. فبذلنا وسعنا في سبيل اضطلاع الصين بدور مسؤول في اطار قيادة دولية متعاونة – او نظام حوكمة (حكم صالح) اقتصادية تلتزم بعض المعايير والضوابط. وكان هذا باعث الاتحاد الأوروبي على بذل جهد كبير لضم الصين الى منظمة التجارة العالمية، وعلى مناقشة بكين (بيجينغ) في النتائج المترتبة على نهاية سياسة الدول الغنية الحمائية بإزاء النسيج، وكان هذا حافزنا على محاورة الصين في حقوق الإنسان.
وأخفقت الاستراتيجية المتعلقة هذه جراء حادثتين. الأولى هي ادارة الحظر الأوروبي على بيع السلاح غداة مجازر تيان ان مين (في 1989)، ادارة تفتقر الى الكفاية على نحو مريع. فالموقف الأوروبي كان واضحاً. وربط ضمناً الحظر بالتقدم الصيني في مجال احترام حقوق الإنسان، ورد الى التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة في الحقوق المدنية والسياسية، وتصديقه. فعمد السيد شيراك والسيد شرودر الى دفن هذه السياسة: الأول لأجل خطب ود هوجينتاو في اثناء زيارة الى باريس، والثاني لأجل بيع تجهيزات نقل بحري ألمانية. فلم يكن من الولايات المتحدة إلا ان اعلنت استياءها، على ما يحق لها، جراء تغيير السياسة السابقة من غير التشاور فيه.
وفي الصيف المنصرم، حضت فرنسا الاتحاد الأوروبي على سن اجراءات حمائية على صادرات النسيج الصينية، وعلى خلاف مصالح صناعة النسيج الألمانية المحلية، واقترعت 23 دولة على الإجراءات التي حمل المفوض الأوروبي بيتر مندلسون عليها حملاً.
وحيا رئيس الحكومة الفرنسي، دومينيك دوفيلبان، الاتفاق، ومدحه ورفعه الى مرتبة معلم تاريخي اوروبي. والحق انه خلاف المعلم التاريخي. فهو ابلغ الى الصينيين اننا نلتزم قواعد المفاوضة على السياسات الاقتصادية حين يحلو لنا، ويؤاتي مصالحنا. فإذا لم تأت النتائج على الصورة المتوخاة والمناسبة قررنا، من طرف واحد، التخلي عن الاتفاقات، ومعاقبة الصناعيين الذين لم ينجحوا في هيكلة شركاتهم.
وكان على اوروبا ان تتلقى درساً في التبادل الحر من نظام كلياني (شمولي). فلنصلّ لأجل ألا يوكل الى هذا النمط من الديبلوماسية رسم خططنا الآتية. ففي اثناء سنوات طويلة بدت الصين اقوى اقتناعاً بمكانة اوروبا من اوروبا نفسها. والأرجح ان هذه الصفحة طويت.
(*)(مفوض الاتحاد الأوروبي الى العلاقات الخارجية سابقاً، وآخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ، ورئيس جامعة اوكسفورد، عضو مجلس اللوردات)، لوموند الفرنسية.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018