ارشيف من : 2005-2008
قراءة قانونية ومهنية في تقرير ميليس: ملاحظات وأسئلة؟(2)
عمر نشابة (*) ـ صحيفة السفير1/11/2005
ثاني عشر: يذكر التقرير في الفقرة 44 "عدم الالتزام بتعليمات قاضي التحقيق (القاضي رشيد مزهر) وتزويده بالمعلومات حول تقدم سير التحقيق" ويفهم عدم التزام الضباط المذكورين في الفقرة 43 بتعليمات القاضي مزهر. والضباط هم"قائد الشرطة القضائية بالوكالة العميد الاعور وقائد شرطة بيروت بالوكالة العميد ملاعب وصلاح عيد المسؤول عن موقع الجريمة والعقيد فؤاد عثمان رئيس قسم المعلومات". هل يعتبر التقرير عدم التقيد بتعليمات قاضي التحقيق وعدم تزويده بالمعلومات حول تقدم سير التحقيق بمثابة إخفاء للأدلّة عن القاضي المخوّل قانونياً بإجراء التحقيق؟ هل بحثت اللجنة بأسباب عدم أخذ القاضي مزهر إجراءات قانونية بحقّ الضبّاط الذين لم يلتزموا بتعليماته؟ هل بحثت اللجنة مع الضباط المذكورين عن سبب "عدم الالتزام بتعليمات قاضي التحقيق" ودوافعه؟
ثالث عشر: يذكر التقرير في الفقرة 98:"غادرت الميتسوبيشي القاعدة العسكرية في حمانا في صباح 14 شباط (فبراير) 2005. لقد دخل فان الميتسوبيشي الذي استخدم كحامل متفجرات، لبنان من سوريا عبر الحدود البقاعية من ممر عسكري في 21 كانون الثاني (يناير) 2005 عند الساعة 13,20 كان يقودها ضابط سوري من وحدة الجيش العاشرة". وليس واضحاً اذا كانت تلك المعلومات نقلاً عن الشاهد أو من غير مصدر. ومهما كانت مصادر المعلومات، هل طلب من السلطات السورية تسليم اللجنة جدولاً بجميع الآليات التي عبرت الممر العسكري بين لبنان وسوريا خلال التواريخ المحدّدة؟ وكيف يمكن للشاهد أن يتذكّر ساعة لا بل دقيقة عبور السيارة. ألا يشير ذلك الى اهتمام خاص بالسيارة المذكورة وبالتالي الى إمكانية ضلوع الشاهد بالجريمة. واذا أخذنا ذلك الاحتمال بعين الاعتبار هل يجوز الاعتماد على إفادات ذلك الشاهد في التوصّل الى خلاصات؟
وفي نفس الاطار تذكر الفقرة 116 "حقيقة ان السيد صديق ورط نفسه في الاغتيال، ما أدى في النهاية إلى توقيفه، تضيف إلى مصداقيته". ذلك الاستنتاج غير سليم ولا يعتمد على ربط علمي ومنهجي دقيق بين التورط في الاغتيال من جهة ومصداقية الشاهد/المتّهم في قضية اغتيال الرئيس الحريري.
رابع عشر: تذكر الفقرة 179 من التقرير أنه "حتى الآن، لم يتم العثور على دليل حمض نووي في ساحة الجريمة يمكن ربطه بأبو عدس". ان المدعو أبو عدس يعتبر قانونياً مفقوداً ولا يوجد أي دليل قاطع عن تورّطه أو توريطه بالجريمة.
نسأل عن علاقة الفقرة 204 بالفقرة 94 بما يتعلّق بدوافع الجريمة. تنصّ الفقرة 204 على التالي:"الاتهامات والاتهامات المضادة استهدفت على وجه الخصوص السيد الحريري خلال الفترة التي سبقت اغتياله، وعززت استخلاص اللجنة من ان الدافع وراء الاغتيال كان سياسيا. ان الاغتيال ليس عمل أفراد، بل عمل مجموعة، ويبدو انها مسألة غش وفساد وتبييض اموال، وهذا يمكن أن يكون دافعا لأفراد للاشتراك في العملية". بينما تنصّ الفقرة 94 على أنه "خلال كل التدابير والجهود التي بذلتها لجنة التحقيق الدولية المستقلة، لم تظهر أي توجيهات جديدة صارمة أو خطوط في ما يتعلق بدافع أو سبب اغتيال الحريري، للاضافة الى الذين يمكن أن يكونوا ساهموا في الاحداث خلال النصف الاول من العام 2004 والتي بلغت ذروتها في قرار السيد الحريري التنحي عن رئاسة الوزراء والتنبؤ بنتائج الانتخابات العامة في لبنان. المؤشرات القوية حول القضية الاخيرة هي الحملة الانتخابية الضخمة لكتلة المستقبل، ردة فعل السلطات اللبنانية على قضية الزيت، في شباط (فبراير) 2005، حيث تم توقيف الموزعين (من قبل السلطات اللبنانية أثناء توزيع الزيت تلبية لطلب السيد الحريري): وأخيرا وليس آخرا، النتائج العملية للانتخابات. وأبلغ شهود جدد اللجنة، والذين كانوا حذرين في إجراء الاتصالات بالسلطات اللبنانية لعدم الثقة بها، بأن عملية اغتيال رئيس الوزراء السابق لم تكن لتتم من دون معرفة السلطات اللبنانية وموافقة سوريا".
وهنا يبدو أن التقرير، الذي يبدو غير منظّم من ناحية تعداد دوافع الجريمة وحيثياتها، يقدّم معلومات تناقض بعضها: فهل دوافع الجريمة سياسية بحتة أم أنها "مسألة غش وفساد وتبييض اموال" أم الاثنين معاً؟ وكيف تابعت اللجنة تحقيقاتها في الغش والفساد وتبييض الاموال؟ وبهذه المناسبة لماذا غابت عن التقرير نتائج التدقيق بعد رفع السرّية المصرفية عن مجموعة من الشخصيات اللبنانية؟ وهل تتعلّق"مسألة غش وفساد وتبييض اموال" بالخطأ الذي اقتُرف بطلب رفع السرية عن أحد الوزراء ثمّ التراجع عنه؟
خامس عشر: تنصّ الفقرة 183: "أحد أهم وجوه التحقيق كان في تحليل الاتصالات الهاتفية، ثم استخدام برنامج خاص لتحليل والتحقيق في الاتصالات الهاتفية مع أمور تم التعرّف عليها بأنها الأهم للتحقيق، ما سمح للجنة التحقيق بالوصول إلى نتائج منظورة مع عدد محدود من العاملين وبوقت محدود. المساعدة من قبل شركات الهاتف والسلطات كان مهماً لجعل التحليل مؤثراً. المعلومات نفسها حول الخطوط الأرضية تم توفيرها للجنة من خلال وزارة الاتصالات، هذا التعاون كان ذا قيمة بحيث سمح للمحققين بتحليل اتصالات محددة لمشتركين ومعرفة كيفية القيام باتصالات بين مجموعات محددة من المشتركين. اللجنة طلبت معلومات حول ما مجموعه 2235 مشتركا وحصلت على معلومات بشأن اتصالات لحوالى 70195 مخابرة هاتفية. تحليل الاتصالات الهاتفية التي كانت مهمة في تحقيق تقدم وإجراء ربط مع العناصر الأساسية سيتواصل ليكن جزءاً رئيسياً من مجريات التحقيق".
ولم تذكر تلك الفقرة أو أي فقرة أخرى محدودية الاعتماد والقيمة القانونية لدلائل مرتكزة على عدد من الاتصالات الهاتفية وليس على مضمون تلك المكالمات أو مستخدميها (التعرّف على أصوات المتكلّمين). وكانت لجنة التحقيق قد حصلت على معلومات عن الاتصالات الهاتفية من شركات خاصّة ومن وزارة الاتصالات اللبنانية بينما كان وزير الاتصالات قد عبّر عن رأي في وسائل الاعلام يتّهم فيه سوريا ورئيس الجمهورية في ارتكاب الجريمة. ونسأل عن اسم وطبيعة الـ"برنامج خاص لتحليل والتحقيق في الاتصالات الهاتفية ـ وما هي قدرته التقنية على التعرّف على تفاصيل الاتصالات التي جرت قبل وخلال وبعد وقوع الجريمة؟
خامس عشر: يعترف التقرير ببعض المحدوديات (limitations) في الفقرات 13، 20، 21، 22، 88:
"عدداً من الناس أصروا على عدم كشف هوياتهم للسلطات اللبنانية" (13) هل سيُكشف عن هويات هؤلاء وإفاداتهم الكاملة أمام المحكمة لاحقاً؟
"إن التحقيق في عمل إرهابي كهذا له أبعاد دولية متعددة الأوجه وتشعبات يحتاج عادة الى أشهر (إذا لم يكن سنوات) لإنهائه بحيث يمكن إقامة أرضية صلبة لأي محاكمة محتملة لأي أشخاص متهمين". (20) واللافت هنا عبارة "محتملة" التي يبدو وكأنها تشكك في إمكانية محاكمة الموقوفين الحاليين اعتماداً على الادلّة المتوفّرة للجنة حالياً.
في الفقرة 22 يشير التقرير الى ان "اللجنة حاولت وضع الحقائق وتقديم التحليلات لهذه الحقائق بطريقة تشرح بشكل دقيق ما حصل وكيف حصل ومن المسؤول". واللافت "ال" التعريف في عبارة "الحقائق" وكأنها متأكدة من صحّتها ودقّتها بينما تشير الى عدم الانتهاء من التحقيق في فقرات سابقة.
الفقرة 88: "الاهمال السابق والاغفال أو فقدان التبصر وتدمير الادلة قد لا يمكن اعتبار انها لم تحصل". لم تذكر تلك الفقرة على أي أساس يمكن اعتباره عكس ذلك، أي ان "اجهزة الامن وشركاءها" قامت بـ"تدمير الادلّة" بقصد تضليل التحقيق. وفي الفقرات السابقة لم يعرض التقرير أدلّة كافية تشير الى تدمير متعمّد لأدلّة جنائية (اشارة الى التناقضات في إفادات القاضي مزهر، العميد ملاعب، العميد أعور، العميد حمدان، اللواء السيد، السيد نمّار، اللواء ريفي واللواء الحاج الفقرات 7665).
(*) استاذ جامعي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018