ارشيف من : 2005-2008
تموز ..و"حرب الأيام السبعة" ـ الحلقة الأولى ـ
مع حلول شهر تموز/ يوليو عام 1993 كانت صورة "حرب الأيام السبعة" تلوح في الأفق، إذ كانت كل المؤشرات السياسية والعسكرية تدل على أن شهر تموز/ يوليو سيشهد حدثاً كبيراً.
ففيما كان قادة العدو الصهيوني يطلقون تهديداتهم، كانت التعزيزات العسكرية الصهيونية تدخل الى الشريط المحتل يومها، كما كانت حالة الطوارىء والاستنفار تسود في صفوف الصهاينة بإيعاز من حكومة الاحتلال التي أزعجتها كثيراً قدرة المقاومة في الجنوب والبقاع الغربي التي واكبها رفض حزب الله المفاوضات اللبنانية ـ الاسرائيلية في واشنطن عام 1991 المنطلقة على اساس مؤتمر مدريد عام 1990 الذي أراد فرض الشروط الاسرائيلية على الفلسطينيين وبقية حكومات وشعوب العالم العربي.
وبينما كانت المقاومة مستمرة في تسجيل الاهداف في مرمى العدو الصهيوني الذي نفذ في العام التالي عملية اغتيال الامين العام لحزب الله وسيد المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي وعائلته في شباط/ فبراير كانت الامور يوماً بعد يوم تتجه نحو مزيد من التصعيد.
وفي أوائل تموز/يوليو 1993 أصدر الكونغرس الاميركي قراراً حمل الرقم 28 يطالب سوريا بسحب قواتها من لبنان ونزع سلاح حزب الله.
ويومها قال الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله:
"إن هذا القرار لم يكن مفاجئاً فلقد دأب الاميركيون على تكرار هذا الموقف وعلى متابعة سياسة الضغوط المختلفة على كل ما يمكن ان يؤثر على حزب لله لنزع سلاحه، ويمكن اعتبار هذا الموقف هو بداية تغطية للعدوان الاسرائيلي".
وقبيل بدء العدوان الاسرائيلي كان المشهد يتضح يتضح أكثر فأكثر، مع جولة لستة عشر نائباً صهيونياً في الشريط المحتل على وقع مطالبة حكومتهم بوقف المفاوضات مع سوريا لكي يسود الأمن شمال "اسرائيل" على حد تعبيرهم.
في هذا الوقت كان جنرالات الجيش برئاسة قائد الجبهة الشمالية اسحق مردخاي يبحثون في المواقع الأمامية مدى قدراتهم على مجابهة المقاومة. في ظل تهديدات عنيفة ضد لبنان واستطلاع للرأي العام الاسرائيلي افاد ان 3 من كل 4 صهاينة يؤيدون شن عملية عسكرية ضد حزب الله.
وكان قائد اركان جيش الاحتلال آنذاك ايهودا باراك يحدد أربعة عناوين للعدوان المتوقع هي:
"حزب الله، سكان المنطقة التي يحظى حزب الله بتعاونهم، الحكومة اللبنانية التي تريدنا منا مغادرة المنطقة دون ان تسيطر على حزب الله. واخيراً سوريا التي امكانها الحؤول دون قيام حزب الله بنشاطاته".. على حد قول باراك.
وحول طاولة كبيرة في غرفة العمليات المركزية للجيش الاسرائيلي، وقف اسحق رابين محاطاً بقائد الجبهة الشمالية اسحق موردخاي وثلاثة جنرالات يستمع الى شروحات باراك على خريطة عسكرية تظهر الجنوب وبعض المناطق اللبنانية إيذاناً ببدء العدوان.
وبدأت في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 1993 عملية "تصفية الحسابات" كما أسماها العدو الصهيوني، عملية لم تكن مفاجئة للمقاومة التي تمكنت من امتصاص الضربة الصهيونية وردت عليها بقوة بقصف مواقع العدو واستهداف المستوطنات الصهيونية بصواريخ الكتيوشا.
في اليوم الاول ضربت كرة النار "الاسرائيلية" الجوية والبرية جميع القرى والبلدات الواقعة على خطوط التماس المحررة ـ ما يقارب "40 بلدة وقرية"ـ ، في وقت شنت فيها الطائرات الحربية العامودية "الاسرائيلية" غارات على نحو 25 هدف وموقع في العمق اللبناني وطالت الغارات البقاع الغربي وبعلبك وعين الحلوة ومرتفعات الناعمة والدامور كما استهدفت مواقع للجيش السوري قرب مشغرة في البقاع الغربي.
وفي هذا الوقت تدفقت التعزيزات العسكرية "الاسرائيلية" واشارت مصادر امنية لبنانية الى ارتال من الآليات والتعزيزات اللوجستية من ذخائر ومحروقات قد ارسلت الى المناطق اللبنانية التي تحتلها "اسرائيل".
وفي اليوم الثاني من العدوان اي في 26 تموز/يوليو فرض العدو الصهيوني حصاراً بحرياً على لبنان من خلال إغلاق المرافىء، ووسع من نطاق عملياته العسكرية، ووصل طيرانه الحربي وزوارقه الى مخيم البداوي في الشمال، حيث اغار صباحا على منطقة سكنية وصناعية مأهولة، فحصد اكثر من 40 شخصا سقطوا بين قتيل وجريح. وتصاعدت رائحة الموت والدمار من احد معامل الزجاج في مخيم البداوي شمال لبنان بعدما سقط احد عشر شهيداً وجرح واحد وعشرون آخرين يشكلون اليد العاملة في المعمل المذكور في الوقت الذي كانت فيه الغارات على الجنوب والبقاع الغربي تقتل خمسة مدنيين واكثر من اربعين جريحاً.
كما اغار الطيران الحربي على اطراف مخيم المية ومية في صيدا، وتلال الناعمة، فيما لم يغب الطيران المروحي عن سماء مناطق الجنوب كافة. وتزامن ذلك مع قصف مدفعي عنيف غطى معظم قرى وبلدان مناطق النبطية واقليم التفاح وصور والقطاع الاوسط اضافة الى البقاع الغربي.وترافقت هذه العمليات مع تهديدات "اسرائيلية" بضرورة اخلاء 16 بلدة جنوبية من سكانها، وحددت ساعة الرابعة من بعد الظهر لاخلاء هذه القرى.
وانذرت قوات الاحتلال الصهيوني بعدم استخدام مرفأي صيدا وصور، ونفذت تهديدها بفرض حصار بحري على المرفأين. واحصى ناطق بلسان قوات الطوارئ الدولية سقوط 700 قذيفة على مناطق عمليات الطوارئ وحدها. وظلت مناطق صيدا وصور وضواحيهما والمخيمات امتدادا حتى اقليم الخروب وتلال الناعمة عرضة لقصف مدفعي وغارات بالطيران الحربي والمروحي.
ومع اقتراب ساعة الصفر بالنسبة للانذار اشتعلت مناطق الجنوب بزنار من النار لف خصوصاً مناطق النبطية واقليم التفاح.
وافاد متحدث باسم قوات الطوارئ في الجنوب انه سجل منذ صباح اليوم سقوط 1100 قذيفة من العيار الثقيل في منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية، و300 قذيفة خارج عمل هذه القوات.
كما سجل سقوط 90 قذيفة دبابة و75 قذيفة هاون، وسقوط 22 صاروخ من الطائرات الحربية و113 من الطائرات المروحية، وسجل ما يزيد عن 35 غارة جوية على مناطق عمل القوات الدولية.
وسعت المقاومة نطاق ردها على العدوان فقصفت المستوطنات بصواريخ الكاتيوشا لمنع العدو من التمادي في استهداف المدنيين، وأعدت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً عن حالة المستوطنات فوصفتها بأنها "جحيم من الصواريخ استمر لعشر ساعات متواصلة وحالة ذعر حقيقة".
في هذه الاثناء عقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب اجتماعاً طارئاً في العاصمة السورية دمشق بناء على طلب لبنان لاتخاذ اجراءات توقف العدوان المستمر عليه.
الجمهورية الاسلامية الايرانية تاكيداً على دعمها لحق لبنان بالمقاومة من اجل استعادة اراضيه سارعت بدورها الى ايفاد وزير خارجيتها علي أكبر ولايتي الى العاصمة السورية لاجراء محادثات مع المسؤولين السوريين واللبنانيين.
ولايتي أكد موقف الجمهورية الاسلامية الداعم وقال لحظة وصوله إلى دمشق : "ان حزب الله والشعب اللبناني والحكومة اللبنانية كلهم يدافعون عن وحدة اراضي وحقوق لبنان".
إعداد : ميساء شديد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018