ارشيف من : 2005-2008
"الانتقاد" تتابع نشر ملفات العملاء الفارين(5) /"أبو أرز" نموذجاً : طروحات متطرفة واندفاع للارتماء في حضن العدو
تحدثنا في الحلقة الماضية عن روجيه تمرز، وإذا ما كان العفو المزعوم عن عملاء ميليشيا أنطوان لحد يشمله مع رئيس تنظيم "حراس الأرز" العميل إتيان قيصر صقر ورئيس جهاز الأمن في "القوات اللبنانية" غسّان توما؟ وفي هذه الحلقة نتابع السلسلة مع صقر للتعريف أكثر بملفاته و"انجازاته" على صعيد خدمة العدو الإسرائيلي.
بداية، لا بد من القول انه لا يجب عدم الاكتفاء بمحاكمة صقر المكنّى بـ"أبي أرز" أمام القضاء اللبناني، بل أمام محكمة العدل الدولية، وذلك بسبب مشاركة تنظيمه بأوامر منه، وبتحريض من عنصريته وتطرّفه وعدوانيته، في ذبح الأطفال والنساء والشيوخ والرجال العزّل والآمنين اللبنانيين والفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، وقتلهم من دون هوادة، وتقطيع جثثهم وسحلها والتمثيل بها من دون رأفة. والأنكى من كلّ هذه الفظائع الافتخار بهذه الجرائم التي تصنّف عادة إرهابية وضدّ الإنسانية وتوجب محاكمة صاحبها أمام المحاكم الدولية لئلاّ يكون قدوة لآخرين يحملون ذات الفكر والضغينة، أسوة بما حصل مع مجرمي الحروب في عدد من دول العالم. ألم يجاهر صقر شخصياً باندفاع تام، بدفع حزبه الى المشاركة في تلك المجزرة الرهيبة مع قوّات الاحتلال الإسرائيلي وعملاء سعد حداد وميليشيا "القوّات اللبنانية"، وذلك بدافع تنفيذ شعاره الآثم "على كلّ لبناني أنْ يقتل فلسطينياً؟!"، وتقريب لبنان من الكيان الصهيوني بإزالة الحاجز الفاصل بين حدودهما؟
لقد حمل صقر طروحات مدمّرة لسلخ لبنان عن محيطه العربي والإسلامي، وثقافته وتراثه وحضارته العربية والإسلامية، وإحلال الفينيقية والقومية اللبنانية مكانها أو ما يسميه ؤ"الكيان اللبناني" المنفصل عن الأمة العربية والإسلامية، فزعم أنّ "العروبة كذبة"، وأنّ " لبنان أمّة قومية منذ آلاف السنين"، وأنّ "اللبنانيين يتكلّمون لغة الفينيقية اللبنانية". ولم يتأخّر عند اشتداد الحرب اللبنانية في بداياتها في طلب مساعدة العدوّ الإسرائيلي بهدف القضاء على الوجود الفلسطيني المتنامي في لبنان بفعل طرده من أرضه ووقوف القرارات الدولية حائلاً دون عودته إلى وطنه الحقيقي. وراح يذكي نيران الحرب بشراء الأسلحة والذخائر وتخزينها بناءً لأوامر جهاز "الموساد"، وتدريب طلاّب المدارس والجامعات في مخيمات شيّدها خصوصاً لبثّ روح الانتقام فيهم وتغذيتهم بأفكاره التقسيمية وحثّهم على التضحية بأرواحهم وأعمارهم، فرماهم في لهب الحرب غير مبالٍ بمصائرهم وشبابهم.
صقر وتينيت
ولد إتيان قيصر صقر (والدته سعدى) في بلدة عين إبل الجنوبية في العام 1937. وتقرّب من الشاعر سعيد عقل واشتركا في تأسيس حزب "التجدد اللبناني" الذي تفرع منه تنظيم "حراس الأرز" فور إطلاق الرصاصات الأولى على حافلة كانت تقلّ فلسطينيين في محلّة عين الرمانة في 13 نيسان/أبريل من العام 1975. وساهم في إنشاء حزب "القوّات اللبنانية" لكنّه لم يستطع الإمساك بأيّ مركز بارز فيه، لا بل إن هذه" القوات" ألقت القبض عليه واحتجزته لديها بداعي قربه من العماد ميشال عون الذي كان يخوض حرباً ضروساً معها وزجّت به في مركز قيادتها. وعندما وضعت هذه الحرب أوزارها هرب صقر مع فلول تنظيمه الصغير أساساً، إلى بلدة صبّاح الكائنة في قضاء جزين لمواصلة مسيرة التعامل مع العدوّ الإسرائيلي والانضمام إلى ميليشيا العميل أنطوان لحد، فجنّد الكثير من الشبّان ضمن شبكات تخريبية للتجسّس وجلب المعلومات بأيّ ثمن كان وتقديمها لجهاز" الموساد" أملاً في الحلول مكان لحد وتسلّم دفّة القيادة بدلاً منه، لكنّ أسلوبه هذا لم يفلح في تحقيق حلمه، فذهب للعيش في فلسطين المحتلة والتنقّل بين عدد من الدول الأوروبية منها قبرص حيث واظب على لقاء بعض المسؤولين السابقين في تنظيمه، ومنهم من اعترف بلسانه ومن دون تدخلات أو إكراه، بالاتصال بالعدو، وتمّت على هذا الأساس محاكمته أمام القضاء العسكري بهذا الجرم، وصدرت بحقه أحكام مخفّفة نفّذها بسرعة وخرج من السجن.
وقد أقرّ أحد هؤلاء خلال محاكمته العلنية أنّ صقر كان يعوّل على مبادرة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي.آي.أيه" جورج تينيت وجورج ميتشيل لإحلال "السلام" في المنطقة في العام 2001، وكان يرى أنه "إذا لم تنجح سيضطرّ شارون إلى قمع الانتفاضة الفلسطينية بالقوّة فيهبّ العرب لنصرتها وتنشأ حرب مصغّرة ويتدخّل الأميركي لفضّها، وبعدها كان "أبو أرز" ينتظر أنْ يعود إلى لبنان".
أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة بحقّ صقر أحكاماً غيابية متنوّعة في سنوات مختلفة، بجرائم التعامل مع العدوّ وعملائه ودسّ الدسائس لديه وإفشاء معلومات لمصلحته وارتكاب أعمال عدوانية ضدّ لبنان والدخول إلى فلسطين المحتلة من دون إذن مسبق من الحكومة، أبرزها الحكم الصادر يوم الثلاثاء الواقع فيه 19 آذار/ مارس من العام 2002 والقاضي بالإعدام وتجريده من حقوقه المدنية، والحكم الصادر في العام 1997 والرامي إلى سجنه ثلاث سنوات وتغريمه مبلغاً مالياً مقداره مليون ليرة في الدعوى التي تمّت فيها محاكمة المرشّح للانتخابات النيابية في بيروت في العام 1996 رامي الشدياق، كما أنّ صقر محكوم بالأشغال الشاقة المؤبّدة والأشغال الشاقة مدّة سبع سنوات في دعويين أخريين.
ويبدو في المحصّلة النهائية، أنّ التباكي على العملاء والتعامي عن خروجهم على القانون، مضرّ بصحّة الوطن، ونسف للسلم الأهلي، وتجريح بدولة القانون والمؤسسات، والتي يرتجى أنْ تكون موئلاً للمواطنين الصالحين لا مرقداً للخونة والمجرمين.
علي الموسوي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018