ارشيف من : 2005-2008

لبنان والتحقيق: لجنة تقصي ولجنة تحقيق دولية.... وتقارير

لبنان والتحقيق: لجنة تقصي ولجنة تحقيق دولية.... وتقارير

مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير 2005 بدأت عملية البحث عن الحقيقة، وعلى مدى 11 شهراً كنا، بدل أن نصل إلى الحقائق الشافية والأدلة الملموسة، نزداد حيرة وشكّاً في معطيات كانت تقدم في تقارير تطلق الاتهامات جزافاً دون استنادها إلى أدلة حسية تؤكد صحتها.‏‏

لجنتان دوليتان وصلتا الى لبنان بعيد الاغتيال، الأولى كانت لتقصي الحقائق بقيادة بيتر فيتزجيرالد، بدأت عملها في 25 شباط/ فبراير 2005 وقدمت تقريرها الى الأمم المتحدة في 24 آذار/ مارس. أما الثانية فكانت لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس والتي أنشئت بموجب القرار 1595 الصادر عن مجلس الأمن في 7 نيسان 2005.‏‏

لجنتان وثلاثة تقارير تتعلق بالتحقيق خلال العام 2005، تقرير فيتزجيرالد وتقريرا ميليس، الأول عرض للقاءات بعثة تقصي الحقائق مع عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين ولما قامت به من مراجعة للتحقيق اللبناني والإجراءات القانونية، وفحص مسرح الجريمة والأدلة التي جمعتها الشرطة المحلية، وجمع وتحليل عينات من مسرح الجريمة، وإجراء مقابلات مع بعض الشهود في ما يتعلق بالجريمة.‏‏

وخلص تقرير فيتزجيرالد حينها إلى أن التفجير تسببت به عبوة زنتها ألف كيلوغرام من مادة ال”تي أن تي” وضعت على الأرجح فوق الأرض. كما اشار الى أنه لا يمكن تأكيد "الأسباب" المحددة لاغتيال الحريري بشكل يعتمد عليه إلا بعد مثول مرتكبي هذه الجريمة أمام العدالة إلا أنه "حمل الدولة اللبنانية المسؤولية لفشلها في توفير حماية ملائمة لمواطنيها كما حمل الحكومة السورية المسؤولية في التوتر السياسي الذي سبق اغتيال الرئيس الحريري" على حد ما جاء في التقرير.‏‏

وعرض تقرير تقصي الحقائق للاتهامات والاتهامات المضادة التي فاقمت الاستقطاب السياسي الحاصل في ظل اتهام البعض للقيادة السورية وأجهزتها الأمنية باغتيال الحريري واتهام الآخرين أعداء سوريا الذين يريدون خلق ضغط دولي على القيادة السورية. وفي المحصلة فإن التقرير أوصى بضرورة إجراء تحقيق دولي في هذه الجريمة.‏‏

وهذا ما حصل، فما كاد يغادر فيتزجيرالد لبنان حتى وصلها فريق التحقيق الدولي بقيادة القاضي ديتليف ميليس الذي كانت وصلت أخباره قبله الى لبنان عن كونه من أهم القضاة وأكفئهم، ليتبين فيما بعد ومن خلال تقارير وأخبار صحفية أن حول ميليس والكثير من القضايا التي حقق فيها الكثير من علامات الاستفهام.‏‏

في 19 تشرين الأول/ اكتوبر 2005 حبس اللبنانيون أنفاسهم ينتظرون صدور أول تقرير لميليس حول القضية، تقرير أثار الكثير من التساؤلات والشكوك والانتقادات لافتقاده للأدلة الحسية الملموسة وفقاً للخبراء والمتخصيين في هذا المجال. وعلى الرغم من ذلك فقد ترتب على هذا التقرير توقيف أربعة من القادة الأمنيين السابقين وهم قائد لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان، مدير عام الأمن العام اللواء جميل السيد، مدير عام الأمن الداخلي علي الحاج، ومدير المخابرات ريمون عازار الذين ما زالوا قيد الاحتجاز على الرغم من كونهم غير متهمين.‏‏

ومن المحطات البارزة في سياق التحقيق وتقرير ميليس الأول الذي وقع في 53 صفحة، الشهادتان المزورتان لاثنين من الشهود، الاول محمد زهير الصديق الذي انتقل من كونه شاهد ملك إلى كناية عن محتال صغير، نصّاب، منتحل صفة فار من الجندية، صاحب سوابق، لم يكن ضابطاً ذات مرة. حط، فجأة، عند لجنة التحقيق ومنذ ذلك الوقت، يفبرك الحكايات.‏‏

أما الشاهد الثاني الذي نسف الجزء الأكبر من تقرير ميليس إن لم يكن كله، فهو من عرف بـ"الشاهد المقنع"، واسمه هسام هسام الذي ظهر في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر على التلفزيون السوري ثم في اليوم التالي في مؤتمر صحفي، ليؤكد أنه تم إجباره على الإدلاء بشهادة مزورة مورداً أسماء لشخصيات سياسية وصحفية كان تلقنه ما يقوله للجنة التحقيق.‏‏

ما فجره هسام في مؤتمره الصحفي ومن خلال معلوماته جاء قبيل وقت قصير من صدور تقرير ميليس الثاني الذي صدر في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2005 والذي جاء في 25 صفحة وبدا وكأنه نسخة منقحة عن التقرير الأول فلم يحمل معه أي جديد، بل فقط استنتاجات ولا أدلة.‏‏

ولم يعجز ميليس فقط عن تقديم أدلة حسية ملموسة يمكن البناء والتعويل عليها في توجيه اصابع الاتهام نحو جهة معينة بل أيضاً شاب تقريريه العديد من الثغرات والتناقضات التي توقف عندها المتخصصون والخبراء والتي دلت على أن تقارير ميليس بعيدة عن أن تكون قضائية إذ بدت سياسية بامتياز.‏‏

في 15 من الشهر الجاري صدر قرار عن مجلس الأمن بتمديد مهمة لجنة التحقيق الدولية ستة أشهر، إلا أن مشهد العام 2006 سيفتقد لأحد أبرز وجوه العام 2005 وهو "ديتليف ميليس" الذي فضل العودة الى بلاده رافضاً كل محاولات إقناعه بالبقاء لقيادة لجنة التحقيق.‏‏

من هنا ولحين تعيين خلفاً لميليس ولحين وصوله الى لبنان، ربما وجب على اللبنانيين أن يرددوا ويحفظوا اسم "سيرج براميرتس" البلجيكي المرشح لأن يكون بطل الـ2006 في إطار التحقيق الدولي.‏‏

2006-10-30