ارشيف من : 2005-2008

شهر رمضان في العراق .. اجواء روحية ايمانية وحفاظ على تقاليد الماضي

شهر رمضان في العراق .. اجواء روحية ايمانية وحفاظ على تقاليد الماضي

بغداد – الانتقاد‏

في العراق ، وكما بالنسبة لغيره من البلدان والمجتمعات هناك عادات وتقاليد اجتماعية تعد جزءا من التراث ومن المنظومة الثقافية والدينية للمجتمع ، وتبرز تلك العادات والتقاليد بشكل كبير في المناسبات والمواسم الدينية اكثر منها في في مناسبات ومواسم اخرى ، وهي غالبا ما تمتزج بالضوابط والاعتبارات الدينية ، التي اذا اردنا ان نستخدم المفاهيم الفقهية نقول انها تنظوي تحت عنواني الواجبات والمستحبات.‏

وحتى نتعرف على جانب من تلك العادات والتقاليد التي ترتبط بواحد من ابرز المواسم الدينية – العبادية ، الا وهو شهر رمضان المبارك تحدثنا الى اشخاص يمثلون عينات مختلفة من المجتمع العراقي المتنوع في خصوصياته المذهبية والطائفية والدينية والقومية والجغرافية والاجتماعية.‏

توقفنا في باديء الامر عند الحاج عبد الكريم صاحب سلمان ـ ابو محمد (59عاما) في احد المساجد شرق العاصمة العراقية بغداد ، وهو قاريء للقران الكريم والادعية ، حيث وصف اجواء ايام وليالي شهر رمضان بأنها اجواء روحية تجعل المرء يشعر بالقرب من الباري عز وجل ، فالبرنامج العبادي الرمضاني في العراق غالبا مايكون حافلا بكل ما يقرب الصائم الى ربه، ففي الليل وبعد وقت قصير من الافطار يجتمع المؤمنون في المساجد والحسينيات وحتى البيوت لقراءة دعاء الافتتاح، وتلاوة القران الكريم، والاستماع الى المحاضرات الدينية، هذا الى جانب تنظيم المسابقات الثقافية – الدينية في بعض الامكان، ومثل هذا البرنامج – والكلام للحاج عبد الكريم – ربما يمتد الى ساعة متأخرة من الليل ليتداخل في بعض الاحيان مع البرنامج العبادي لفترة ما قبل السحور، ورغم ان هناك حظر تجول يمتد من الساعة الحادية عشرة وحتى الساعة الخامسة صباحا الا ان ذلك لايحول دون اداء تلك المراسم العبادية ضمن نطاق المناطق والاحياء والازقة.‏

اما الحاجة ام صالح (74عاما) من مدينة النجف الاشرف فتقول، نحن هنا في العراق ننتظر بشغف وتلهف شهر رمضان المبارك، لانه يمثل مناسبة لاظهار الالفة والمحبة والتوادد بين الناس ، حتى ليبدو الناس من ابناء المحلة الواحدة وكأنهم عائلة واحدة في تواصلهم الاجتماعي ، فهناك تجد موائد الافطار العامرة بكل ما لذ وطاب يجتمع حولها في هذا البيت او ذاك الرجال والنساء، من الجيران والاصدقاء والاقارب، وفي شهر رمضان يحرص الكثير من المؤمنين على اقامة ولائم الافطار على ارواح موتاهم ، او توزيع الاطعمة على الفقراء والمحتاجين تقربا الى الله عز وجل، وتشير الحاجة ام صالح الى "ان هذه الظاهرة واضحة جدا في مدينة النجف الاشرف، مدينة امير المؤمنين(عليه السلام)، وكذلك في مختلف مدن العراق، الا انها قد تكون اكثر بروزا ووضوحا في النجف ارتباطا بطبيعتها الدينية والروحية، حيث وجود المراقد والمزارات الكثيرة فيها، والمرجعيات الدينية، والحوزات العلمية.‏

مجموعة من اصحاب المحلات في سوق العاصمة الرئيسي(الشورجة) كانوا مجتمعين قبيل صلاة الظهر في احد المساجد القريبة من السوق، تحدثوا بقدر كبير من الحماسة والتفاعل حينما سألناهم عن طبيعة واجواء شهر رمضان في العراق، حتى ليشعر المرء ان هؤلاء الذين يتحدثون بهذه الصورة لايعيشون تلك الاوضاع المرهقة والقلقة التي يعيشها كل العراقيين، محمد – ابو عمار – الذي كان يكبرهم سنا (63عاما)، قال" ان اجواء شهر رمضان من كل جوانبها تخفف عن كاهلنا نحن العراقيين بعضا مما نعانيه من مشاكل وازمات، فأداء الشعائر والممارسات الدينية من ادعية وصلوات وتلاوة القراءن وبصورة جماعية تعمق لدينا الاحساس بالامل وتوجد في نفوسنا التفاؤل بالغد انطلاقا من ذلك الارتباط الروحي العظيم بالباري عز وجل ، والى جانب ذلك ، مثلما يقول ابو عمار ان شهر رمضان يمثل فرصة للقيام بأعمال البر والخير والاحسان ، ففي هذا السوق هناك اناسا كثيرين ممن انعم الله عليهم يبادرون الى مساعدة اعداد كبيرة من العوائل المتعففة والمحتاجة والايتام والارامل ، وهذا ان كان يعبر عن شيء فأنما يعبر عن عمق الشعور الانساني النبيل ، وشدة الايمان بالباري عز وجل.‏

اما ابو نبيل(37عاما)، صاحب متجر للتجهيزات الغذائية فيتحدث في جانب اخر، يتمثل فيما يتعلق بالمائدة الرمضانية العراقية ، ومستوى التبضع للعوئل العراقية في شهر رمضان مقارنة بالاشهر الاخرى من السنة. اذ يقول ان الطلب على سلع ومواد معينة يرتفع الى مستويات كبيرة خلال شهر رمضان مثل العدس الذي يصنع من الحساء ، الذي يعد عنصرا اساسيا من مكونات المائدة الرمضانية في كل مناطق العراق بلا استثناء ، وكذلك السكر الذي يستخدم في صناعة مختلف انواع الحلويات مثل الزلابيا والبقلاوة وغيرها، الى جانب الارز واللحوم والتمور التي توجد منها عشرات الانواع في العراق.‏

ويرى الحاج صاحب العبيدي(48عاما)، صاحب احد المطاعم الكبيرة في بغداد ، والتي تفتح ابوابها للصائمين وقت الافطار، ان العراقيين سواء كانوا في الشمال او الوسط او الجنوب لايختلفون كثيرا عن بعضهم البعض بشأن ما يفضلونه من اكلات في شهر رمضان ، والمائدة الرمضانية في بغداد لاتختلف عنها كثيرا في الموصل او اربيل او كركوك او البصرة الا اللهم في جوانب بسيطة ترتبط بأكلات معروفة ومفضلة في المدينة الفلانية اكثر من غيرها، ويشير الحاج صاحب قائلا "ان مطعمنا يحرص على توفير كل الاكلات خلال شهر رمضان من الرز الى الدولمة الى تشريب اللحم الى المشويات الى مختلف انواع المقبلات ، لان الذين يرتادون المطعم يأتون ـ او هم ينحدرون ـ من مدن ومناطق مختلفة".‏

واضافة الى ذلك فأنه رغم تبدل الاحوال والظروف ارتباطا بمجمل متغيرات العصر فأنه يمكن ان نلاحظ ان بعض العادات والتقاليد الرمضانية مازالت حاضرة في عدد لابأس به من المدن والارياف في العراق ، مثل المسحراتي والالعاب الشعبية كلعبة المحيبس، وكذلك تبادل اطباق الطعام بين الجيران، وغيرها.‏

2006-10-30