ارشيف من : 2005-2008

الجيش يعلن تفاصيل "مفاجأة الفجر" في حاصبيا والمضبوطات في منزل محمود رافع

الجيش يعلن تفاصيل "مفاجأة الفجر" في حاصبيا والمضبوطات في منزل محمود رافع

"الشبكة": خطّاب في "دائرة الشبهة" منذ سنوات وحملة للقبض عليه‏

حسين ايوب‏

مع إعلان الجيش اللبناني، رسميا، أمس، عن تفاصيل الشبكة الإرهابية المرتبطة بجهاز "الموساد" الإسرائيلي، والمتهمة بسلسلة اغتيالات وتفجيرات آخرها جريمة اغتيال الأخوين محمود ونضال مجذوب في صيدا، بدأت مرحلة جديدة من الملاحقات سعيا إلى كشف متورطين أساسيين آخرين أبرزهم حسين خطاب (فلسطيني الجنسية) الذي كان موضوعا في "دائرة الشبهة" من قبل الأمن اللبناني وتنظيمات فلسطينية منذ تاريخ وقوع جريمة اغتيال جهاد أحمد جبريل في محلة مار الياس في بيروت بتاريخ العشرين من أيار .2002‏

وكشفت مصادر أمنية لبنانية لـ"السفير" أن القوى الأمنية اللبنانية داهمت منزل حسين خطاب بالقرب من مستشفى الهمشري في مدينة صيدا، وتمت مصادرة وثائق وأشياء أخرى رفضت الكشف عن مضمونها، كما تم توقيف زوجة المشتبه به من قبل مخابرات الجيش اللبناني من اجل محاولة التعرف على صلات زوجها فضلا عن دائرة علاقاته وصداقاته، والأماكن التي يمكن أن يكون قد لجأ إليها بعد أن بلغته أنباء توقيف محمود رافع في حاصبيا صباح يوم الأربعاء الماضي. وتوقعت المصادر نفسها الإفراج عن زوجة حسين خطاب اليوم.‏

وقالت المصادر الأمنية إنه تم تعميم اسم ومواصفات حسين خطاب وبعض المشتبه بهم، على كل النقاط الأمنية الحدودية وفي المطار، كما اتخذت احتياطات في بعض النقاط البحرية المفتوحة.‏

وأوضحت مصادر في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة لـ"السفير" أن خطاب كان منضويا في عمل اللجان الشعبية الفلسطينية في المخيمات، فضلا عن توليه مسؤولية العلاقات العامة في الجنوب، وبعد اغتيال الشهيد جهاد جبريل، اعتقل من قبل "الجبهة" كونه كان موضع متابعة ورصد من أجهزة أمنية لبنانية وفلسطينية وتم الاشتباه بدور ما له في استهداف جبريل، ولكن بعض التدخلات تحت عنوان براءته من التهمة المنسوبة إليه، أدت إلى الإفراج عنه، "من دون أن يخرج من دائرة الشبهة ولذلك لم نفاجأ كثيرا بموضوع تورطه في الشبكة الإسرائيلية التي أقدمت على اغتيال الشقيقين مجذوب في صيدا".‏

إلى ذلك، واصلت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تحقيقاتها مع احد أبرز عناصر الشبكة الإسرائيلية المدعو محمود رافع، وذلك بعد أن اعترف بدوره في جريمة اغتيال الشقيقين مجذوب وعمليات أخرى أبرزها اغتيال القيادي في "حزب الله" علي ديب (أبو حسن سلامة) في محلة عبرا شرق صيدا بتاريخ 16/8/,1999 اغتيال المسؤول في "حزب الله" علي صالح في محلة الكفاءات في الضاحية الجنوبية بتاريخ 2/8/,2003 اغتيال جهاد أحمد جبريل في بيروت، وضع عبوة متطورة جدا على طريق عام الزهراني بتاريخ 18/1/,2005 وقد تم اكتشافها وتفكيكها من قبل الجيش قبل تفجيرها، وضع وتفجير عبوة ناسفة لاستهداف مسؤولين فلسطينيين عند مفرق جسر الناعمة بتاريخ 22/8/,1999 لم تسفر عن إصابات.‏

وعلمت "السفير" أن محمود رافع اعترف بتفاصيل ووقائع حول الجرائم المذكورة كما اعترف بكيفية تفجير السيارة لاغتيال الشقيقين مجذوب وكيف قام بتغيير الباب الخلفي لسيارة "المرسيدس" في أحد الكاراجات في منطقة شرحبيل قرب مدينة صيدا ، حيث استبدله بالباب الجديد المجهز والمفخخ والمزوّد بأجهزة التقاط وبث لتأكيد خروج محمود ونضال مجذوب من المبنى الذي كانا بداخله قبل انفجار العبوة. ولاحقا تمكنت مديرية المخابرات من العثور على النايلون الذي كان يغلف باب "المرسيدس" في واد قريب من الكاراج الذي استخدم في شرحبيل.‏

يذكر أن قيادة الجيش اعلنت رسميا ان التحقيقات التي اجرتها مديرية المخابرات، اظهرت ان الشبكة المكتشفة ترتبط بجهاز "الموساد" الاسرائيلي منذ سنوات عدة، وأن أفرادها خضعوا لدورات تدريبية داخل إسرائيل وخارجها، وتم تكليفهم بتنفيذ عدد من العمليات، وزوّدوا لهذه الغاية بأجهزة اتصال ومراقبة سرية ومتطورة، كما زوّدوا بخرائط دقيقة للأماكن المستهدفة ولأماكن اخرى من لبنان، وبمستندات مزوّرة وحقائب تحوي مخابئ سرية، وشبكات مرمزة.‏

وأشار البيان الى ان التحقيقات "جارية لتوقيف باقي أعضاء الشبكة وكشف عمليات تخريبية اخرى، وسيصار الى إحالة الموقوفين للقضاء المختص". كما وزعت لائحة بالمضبوطات المستخدمة من قبل الشبكة في التفجيرات الإرهابية.‏

على صعيد المواقف، من المتوقع أن يتطرق مجلس الوزراء في جلسته المقررة يوم غد الخميس إلى موضوع الكشف عن الشبكة الإسرائيلية.‏

بدوره، أثنى رئيس الجمهورية إميل لحود على "الإنجاز الذي حققته مديرية المخابرات، واعتبر انه "من الغريب فعلا عدم سماع من يتهم إسرائيل برغم كل ما حصل في لبنان في الفترة الأخيرة".‏

واعتبر نائب الأمين العام ل"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم أن "اعتقال الشبكة العميلة لإسرائيل "هو إنجاز ضخم ونوعي يسجل للجيش اللبناني الوطني ولمخابراته كنقطة مضيئة جداً في تاريخ هذا الجيش في مواجهة العدو الإسرائيلي"، وقال "إنها رسالة للجميع ليعلموا أن الساحة اللبنانية ليست بعيدة عن التأثيرات الإسرائيلية المباشرة".‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية 14/6/2006‏

ــــــــــــــــ‏

ليلة القبض على محمود رافع.. زاد رصيده 60 ألف ليرة!‏

حاصبيا:طارق ابوحمدان‏

لم يكن يعلم العميل محمود رافع أنها ستكون ليلته الأخيرة في تلك القهوة المتواضعة والمفضلة عنده والتي دأب على ارتيادها ساعات طويلة يمارس بين جدرانها المعتمة هوايته المفضلة في لعب ال14 مع شلة من أبناء مدينة حاصبيا.‏

في تلك الليلة تفاوتت أعمار الحاضرين. بينهم الكهل واليافع و"قضيتهم" المشتركة مزاولة الجلوس إلى طاولة اللعب.‏

يقول أصدقاء محمود إنه "بشوش ومرح وكريم. لا يفرح للربح ولا يندم للخسارة. همه تقطيع الليالي حتى داهمته تلك الليلة الليلاء التي كشفت المستور في شخصيته، الذي طالما نجح في إخفائه حتى عن أقرب المقربين إليه".‏

حوالى العاشرة من ليل الثلاثاء الأربعاء الماضي، وصل محمود رافع بقامته المديدة الى المقهى الصغير المنزوي تحت مخفر درك حاصبيا. نادى العامل شادي: "اكتمل النصاب يا شباب". اجتمع رافع مع ثلاثة من لاعبي الورق حول الطاولة المغطاة بشرشف من القماش الأبيض غبرته بقايا عشرات السجائر المحترقة لتبدأ لعبة ال14 المفضلة عند رافع وصحبه الحاضرين.‏

خسر محمود رافع "الدق" الأول وكانت الساعة حوالى الحادية عشرة ليلا. ترك الطاولة لدقيقتين أجرى خلالهما اتصالاً هاتفياً داخلياً (أي في حاصبيا) ثم عاد ضاحكا مخاطباً رفاقه: "الآن سأربحكم".‏

وبالفعل "جاءت ورقته" حسب التعبير المتعارف عليه بين لاعبي الورق. ربح محمود رافع خلال أربع ساعات 60 ألف ليرة لبنانية.‏

لم يلاحظ رفاقه المشاركون في اللعبة على الطاولة طوال السهرة أية حالة من الارتباك عنده. كان يمزح طوال الوقت كعادته. يتأفف حينا من سوء الورق وحينا آخر يضرب بيده على الطاولة كلما خدمه الحظ. طلب محمود القهوة مرتين وشرب قرعة متي مع الحاضرين لفترة ساعتين.‏

شعر الجالسون حول الطاولة بوجود حركة سيارات غير عادية في محيط القهوة لكنهم لم يأبهوا لها، لأن أحدا من الحاضرين لم يكن يعرف ما يخفيه الجالس معهم ولم يدركوا أن ساعات الفجر ستحمل إليهم "مفاجأة الفجر".‏

مضى الوقت سريعا. ترك الجميع مقاعدهم قبيل الخامسة فجرا. "سرّب" كل منهم باتجاه منزله. وحده محمود رافع اختار وجهة مغايرة في تلك الليلة. مشى ب"رانجه" باتجاه منزله في الطرف الغربي لحاصبيا وكانت المفاجأة بانتظاره على بعد عشرات الأمتار من منزله. كمين امني محكم على يد مسلحين مدنيين مجهولي الهوية. وبعد ذلك بدأت الرحلة من حاصبيا إلى وزارة الدفاع في اليرزة.‏

ولليوم السادس على التوالي، بدا الشارع الحاصباني مذهولا بالوقائع المنسوبة إلى محمود رافع. كان المزاج الحاصباني مستعداً لتقبل الروايات برغم الصدمة التي أصابته نفسياً ومعنوياً. صحيح أن الرجل لم يبدو في الظاهر مؤذياً لأحد، بل يتصف عموماً بالهدوء والكرم والبذخ، لكنه في الوقت نفسه "صاحب حركات" كما يقول احد أفراد شلة المقهى. نسأله ماذا تقصد بذلك؟ فيجيب: "كان "نسونجيا" ويتغيّب فترات متقطعة ولأسباب غير مبررة حتى الآن"!‏

ويردد أحد الذين عملوا في بناء منزله في حاصبيا، أنه كان يدفع الأجرة للعمال مع بقشيش وفي حالات عدة يحاسب العاملين قبل المباشرة بالعمل لكنه في المقابل كان متقشفا ماديا مع عائلته. مصروف المنزل لا يتعدّى مئتي ألف ليرة لبنانية يدفعها مع بداية كل شهر ولا يسأل "إن كانت تكفي" على حد تعبير احد جيرانه.‏

كان يحل محمود رافع ضيفا على عائلته، في حين يقضي أياما وأسابيع خارج بيته دون أن يحدد وجهته لأحد. ويتردد أنه كان على علاقة بامرأة شقراء جميلة متموّلة سرقت منه وقته وعقله وقلبه وأمضت سنوات طويلة الى جانبه. "ربما كانت هي المدخل لهذه العمالة المتواصلة على مدى أكثر من 15 عاماً قضى معظمها في عاليه وبيروت والمعاملتين" يقول احد رفاقه من رواد المقهى.‏

لم يكن محمود رافع يقصد بلدته حاصبيا إلا نادراً حتى قرر الاستقرار نهائيا فيها منذ حوالى ثلاث سنوات بعد إنجاز منزله الجديد حيث كانت عائلته تستأجر منزلاً متواضعاً عند المدخل الشرقي لحاصبيا.‏

يقول عمه نايف رافع "لقد فاجأنا محمود بفعلته الشنيعة. عيب عليه. كنا نأمل أن يوجه قدراته الى العدو الصهيوني، أن يدعم المقاومة لأننا كلنا في العائلة مع هذا التوجه. لقد ظلمنا... خاننا.. فكانت أبشع فعلة لا تغتفر أبدا... لقد بكينا ليس عليه بل على العار الذي ألحقه بنا. إنه مجرم حقا ونحن نعتذر من الجميع ولكن ماذا ينفع الكلام بعد كل الذي فعله".‏

أقاويل كثيرة تتردد هذه الايام في حاصبيا. تسامح الجميع مع العملاء بعد التحرير. كثر المدافعون عنهم، حسابهم كان يقول انهم ارتكبوا جنحة بسيطة وكأن العمالة او خيانة الوطن مجرد وجهة نظر. تركوا على هواهم، كان الهدف تجميع الأصوات لاستخدامها في الاستحقاقات الانتخابية. الغاية رفع عدد الناخبين ولا يهم إن كانوا عملاء. الصوت صوت في حساباتهم والمهم ان نربح المعركة وعندما يأتي وقت الحصاد من المسؤول؟‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية 14/6/2006‏

2006-10-30