ارشيف من : 2005-2008

عملية "تبديد الوهم": أي أوهام بددت؟

عملية "تبديد الوهم": أي أوهام بددت؟

أي أوهام أرادت عملية المقاومة الفلسطينية تبديدها مؤخراً؟ هذا السؤال يبدو جوهرياً، لأن من دون الإجابة عنه فإن أي عملية تقويم لها ستكون مضللة، وفي أحسن الأحوال غير صائبة.‏

من هنا فإن الإجابة الموضوعية عن هذا السؤال تقتضي ملاحظة التالي:‏

أولاً: منذ تنفيذ شارون خطوة الانسحاب من قطاع غزة، بدا أن المقاومة الفلسطينية باتت بشكل رئيسي أسيرة نوع واحد من العمليات، هو إطلاق صواريخ القسام على مستوطنة سيديروت، أي أسيرة عمليات تتم عن بعد، وتحقق هدفا رئيسيا حساسا هو وضع الكيان الإسرائيلي أمام مخاوف استراتيجية لها تأثيرها المباشر على السجال السياسي الداخلي المتعلق بخطة الانطواء التي يصرّ رئيس الوزراء الحالي على تنفيذها.. لكن في الوقت نفسه كان الإسرائيلي يعمل على إظهار قدرة واستعداد للتعامل مع أشكال كهذه من التهديد.‏

ثانياً: من نافل القول ان الوضع الفلسطيني يمر في أصعب ظروفه: حصار دولي وعربي، انقسامات سياسية داخلية لامست حدود الحرب الأهلية، عدوان إسرائيلي مستمر كانت حصيلته المزيد من المجازر في صفوف المدنيين، وتحت عنوان أساس اسمه "الإحباط المستمر".‏

كل ذلك بهدف إحداث تعديل جوهري في وجهة الخيارات الفلسطينية لمصلحة الخيار التسووي، وكخيار وحيد يُعتمد من قبل رئيس السلطة الفلسطينية الذي لم يتورع عن معانقة رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت بحرارة، في الوقت الذي لم تبرد حرارة جثث الشهداء الأطفال الذين ذهبوا ضحية الهمجية الإسرائيلية.‏

ثالثاً: إصرار الكيان الإسرائيلي على تجاهل إرادة الشعب الفلسطيني وحقوقه من خلال تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الانطواء التي لن تبقى في الضفة الغربية وغور الأردن، ما يتيح إمكان ـ مجرد إمكان ـ قيام دولة فلسطينية حقيقية، هذا في الوقت الذي يُذر الرماد في العيون من خلال تسويق خطة الانطواء في سياق الوضع باتجاه إقامه دولة فلسطينية موقتة، وتأجيل الحلول النهائية للقضايا الرئيسية، ما يحوّل الموقت إلى دائم.‏

في هذه المناخات الأمنية والسياسية جاءت عملية "تبديد الوهم" لتؤكد:‏

أولاً: إن إرادة المقاومة ما زالت قوية وحية، ولن تضعف أو تهين أو تيأس، وبالتالي فهي قادرة على إبداع أشكال جديدة من المقاومات النوعية تتناسب والظروف التي تمر بها.‏

ثايناً: ان المقاومة قادرة على تجاوز كل التعقيدات السياسية وظروف الحصار المتنوعة المضروبة حولها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لتحقق إنجازات نوعية على صعد التخطيط والتنفيذ والنتائج.‏

ثالثاً: ان اتجاه البوصلة الفلسطينية يجب أن يتركز على خيار المقاومة، والخروج بالتالي من متاهات لعبة السلطة، التي لم يُبقِ الإسرائيلي منها شيئاً، والتي لم تجلب للشعب الفلسطيني الا الانقسام ومظاهر الفساد المتنوعة، وإرباك الخيارات الفلسطينية.‏

رابعاً: إبراز القضية الفلسطينية مجدداً كقضية شعب في مواجهة احتلال، في الوقت الذي تعمل جهات كثيرة على طمس هويتها لمصلحة هويات أخرى: مشاكل فلسطينية بيئية، مشكلة إسرائيلية داخلية، حالة إرهابية.. إلخ.‏

خامساً: أعادت إبراز قضية الأسرى الفلسطينيين من مدخل إنساني أساسي حينما ركز منفذو العملية على مقايضة الأسير الإسرائيلي بالأسيرات الفلسطينيات وغيرهم من الشبان الذين لا تتجاوز أعمارهم (15 و 16 عاماً).‏

سادساً: تجديد المأزق الإسرائيلي الأمني من خلال تأكيد فشل كل إجراءاته الأمنية في منع إنجاز عمليات مقاومة نوعية، ومن خلال إعطاب استراتيجية الردع والإحباط المعتمدة من قبله منذ مدة.‏

سابعاً: الدخول على خط السجال الداخلي الإسرائيلي المتعلق بخطة الانطواء التي تستهدف على نحو رئيسي إلقاء القضية الفلسطينية في المجهول، تمهيداً لدفنها في رمال النسيان، والتخلص من عبئها نهائياً.‏

ثامناً: كشفت العملية عري الواقع العربي الرسمي والدولي الذي تدخل على نحو فاقع للإفراج عن الأسير الإسرائيلي، في حين لم يرف له جفن على المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين.‏

تاسعاً: تأكيد أن خيار المقاومة يبقى الخيار الأمضى في مواجهة العدو الإسرائيلي وإن كان مكلفاً، اذ إن أي خيار آخر سيكون أكثر كلفة، لأنه سيمس المصير الوطني للشعب الفلسطيني برمته.‏

مصطفى الحاج علي‏

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30