ارشيف من : 2005-2008
شبكة الموساد: الكيان الإسرائيلي العدو الأول والأخير للبنان
فيما تقرير براميرتز يحبط فريق 14 شباط
شبكة الموساد: الكيان الإسرائيلي العدو الأول والأخير للبنان
من المؤكد أن تقرير براميرتز مهم لما له من دلالات سياسية، سواء للصورة التي جاء بها أم للتوقيت الذي نشر فيه. ومن المؤكد أيضاً أن تزامن صدور التقرير، وهو تزامن محض مصادفة، مع انكشاف قضية الشبكة الإرهابية الإسرائيلية، سيرفع من قوة تأثير كل منهما على المناخ السياسي العام الذي يقع لبنان تحت تأثيره منذ مدة:
أولاً: في ما يخص التقرير، لا شك في أن براميرتز نجح في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: ضمان التمديد لعمل لجنة التحقيق مدة سنة انطلاقاً من العرض والحيثيات والأسباب الموجبة التي قدمها. حمل الجميع على التسليم بمهنيته، بما يجعل من الصعوبة بمكان على أحد أن ينتقده. دفع كل من يراهن على الغموض في التقرير إلى مراجعة حساباته من خلال الإيحاء بأنه ما زال يمتلك معلومات يظن بها، وأن مسار التحقيق يحرز تقدماً.
كما أن التقرير في الصورة التي جاء بها، خصوصاً لجهة اعتباره التعاون السوري مرضياً، كان مدعاة خيبة كبيرة لفريق 14 شباط ولواشنطن معاً: أما خيبة الأول فيمكن ردها إلى الحسابات السياسية الخاصة بهذا الفريق، حيث لا يخفى على أحد أنه بعد سلسلة الإخفاقات السياسية التي مُني بها، لم يبق في يديه من أوراق يراهن عليها سوى ورقة التحقيق داخلياً، وورقة المواجهة الأميركية ـ الإيرانية إقليمياً. وها هو تقرير براميرتز يوجه لكمة ولو ظرفية لهذا الفريق، اذ لم يحمل له المن والسلوى كما كان يرجو او يتمنى.
وأما واشنطن، فإن التقرير بالصورة التي جاء بها أيضاً قد حرمها من إمكانات استثماره للضغط مجدداً على دمشق. من هنا فإن ما يقلق فريق 14 شباط في هذه المرحلة هو تبدل مجمل المناخات والظروف السياسية الداخلية والخارجية لغير مصلحتها. فهذا الفريق يتطلع حوله فيرى أن قوى الصف الوطني قد عادت إلى معترك الفعل السياسي بقوة، وأن دمشق باتت في وضع مريح ولو نسبياً وغير كامل، اضافة إلى مناخات المواجهة في المنطقة، وتحديداً على جبهة الملف النووي ـ الإيراني انعطفت نحو الخيارات الدبلوماسية وسط احتضان وترحيب دولي وإقليمي وعربي مفتوح على إعادة ترتيب المعادلات والعلاقات والاصطفافات السياسية على النقيض تماماً مما كان يرجو فريق 14 شباط.. ولذا عندما يتحدث أحد أركان هذا الفريق عن الخسارة ويطلب تركيز الأنظار على مسألتي سلاح المقاومة والمحكمة الدولية، لا يفعل ذلك إلا من قبيل من يرى أن الأمور آخذة بالانفلات من يده، فيحاول ان يصطنع قضية لنفسه تكون له أشبه بخشبة الخلاص التي تكفل له البقاء حياً من الناحية السياسية.
ثانياً: في ما يخص الشبكة الإرهابية، صحيح أن اكتشاف هذه الشبكة من قبل أجهزة استخبارات الجيش هو انجاز كبير لها وللجيش معاً، إلا أن لهذا الحدث دلالات بالغة الخطورة، وذلك لـ:
ـ كشفه مجدداً مدى استمرار حضور العامل الإسرائيلي في تخريب الوضع الأمني الداخلي، وفي المعادلة الداخلية للأوضاع في لبنان، وهذا ما يؤكد بدوره صوابية المنطق الذي طالما أكد خطورة هذا العامل، وضرورة إبقائه الهدف الأول في السياسة الأمنية للدولة، في مقابل المنطق الداعي إلى إسقاط العامل الإسرائيلي لمصلحة تحويل الأخ والصديق إلى عدو، أو على الأقل معاملتهما كأنهما في ميزان واحد.
ـ المسؤولية المعنوية والسياسية التي يتحملها فريق 14 شباط لجهة ما أحدثه في البلد من انقسامات سياسية، ولجهة إسقاطه العامل الإسرائيلي من احتمالاته في قراءة مجمل التطورات الأمنية الداخلية، الأمر الذي وفّر المناخات والثغرات المناسبة لولوج العامل الإسرائيلي منها واللعب بالأوضاع الأمنية للبنان.
ـ ان حجم العمليات التي نفذتها الشبكة التي منها محاولة اغتيال الرئيس بري، والتي جاءت قبل شهر تقريباً من عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يطرح علامات استفهام قوية عن الرابط بين المحاولتين، وبالتالي يعيد الاعتبار بقوة الى العامل الإسرائيلي الذي أصرّ كثيرون على إسقاطه، ولو من قبيل الفرض.
ـ ان الجهة السياسية التي قيل ان مسؤول الشبكة ينتمي اليها لا شك في انها تتحمل مسؤولية معنوية، سيما ان رئيسها كان أول المسارعين إلى وضع عملية اغتيال الشقيقين الشهيدين مجذوب على عاتق الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية، مبرئاً الكيان الإسرائيلي.
ـ من اللافت هنا عدم صدور أي مواقف واضحة ومناسبة مع حجم الشبكة عن مجمل فريق 14 شباط، وهم الذين عوّدوا اللبنانيين على انتفاضات لأحداث أقل من ذلك بكثير.. فهل باتت نخوة هؤلاء بالنسبة لما يتعلق بالكيان الإسرائيلي باردة، وما يتعلق بغيرها حارة!..
في مطلق الأحوال، إن ما جرى يتطلب من كل اللبنانيين عموماً، ومن فريق 14 شباط تحديداً، إجراء مراجعة شاملة لحساباتهم وقراءاتهم ومواقفهم، والانطلاق في مناقشة الأمور من منطلقات وطنية فعلية، لا من منطلقات تسجيل النقاط ولمصالح خاصة وضيقة. فما يرفض هؤلاء الإقرار به، جاء اكتشاف الشبكة ليؤكده بقوة الواقع، وهو أن الكيان الإسرائيلي يبقى العدو الأول والأخير للبنان.. ولكل اللبنانيين.
مصطفى الحاج علي
الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1166 ـ16 حزيران/يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018