ارشيف من : 2005-2008

بعد حل عقدة المكان والتطور الخاص بالشاهد هسام : السير نحو الحقيقة؟

بعد حل عقدة المكان والتطور الخاص بالشاهد هسام : السير نحو الحقيقة؟

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏‏‏

تطوران لم يكونا في الحسبان: توصل لجنة التحقيق ودمشق الى اتفاق يضع حداً ولو مرحلياً لحالة الكباش والتوتر التي حكمت العلاقة بين الاثنين، وعلى نحو خاص منذ تقديم ميليس تقريره الى مجلس الأمن، الذي مهد الطريق لصدور القرار الدولي رقم 1636.‏‏‏

والثاني يتمثل بالمنحى الدراماتيكي الذي بات عليه تحقيق ميليس بفعل تتالي الفضائح الخاصة بالشهود الذين بيّن عليهم أسس تحقيقه. فبعد ظاهرة محمد الصديق تأتي ظاهرة هسام... هسام وعلى نحو أفقع.‏‏‏

اذا كان التطور الأول قد فتح كوة ضوء في وضعٍ بالغ التعقيد والصعوبات، وأوقف ـ ولو مؤقتاً ـ الرقص على حافة الهاوية، فإن الثاني يكاد يعيد كل التحقيق الخاص بمقتل الرئيس الحريري الى الأسئلة الأولية، لا سيما لجهة تأكيد أن المسار الذي سار عليه ميليس هو المسار المفضي بالفعل الى الحقيقة، أم أنه مسار يراد له أن يفضي الى كل شيء، ما عدا الحقيقة الفعلية في مقتل الرئيس الحريري. هنا لم يعد كافياً انكار التهم وإثارة سجال تهكمي أو استخفافي، ومن يفعل ذلك في الحقيقة لا يؤدي إلا فعل هروب الى الأمام، بينما المطلوب اجراء اعادة حسابات جذرية، وإن كنّا نشكك في امكان اجرائها سلفاً، لأن حسابات كثيرة ومصالح كبيرة بُنيت على المسار الحالي للتحقيق، الذي وضع له منذ البداية هدف واضح يكاد يكون وحيداً، باعتبار ان باقي الأهداف الأخرى ستأتي تباعاً. وهذا الهدف هو اسقاط النظام السوري وإخراج سوريا من معادلة الممانعة، تمهيداً لإقحامها في سياق المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي.. هذا الهدف الذي أخذ يعلن عنه صراحة مؤخراً بعدما كان مكتوماً ومضمراً. فإذا كان استهداف النظام في سوريا من خلال التحقيق أو هو الهدف الاستراتيجي للتحقيق، فلا شك في ان تداعي التحقيق سيعني حكماً ـ ولو نظرياً ـ تداعي هذه الاستراتيجية برمتها، وأن السحر في النهاية سيكون قد انقلب على الساحر. ولا شك في أنه بقدر ما قد يكون توصل دمشق الى تسوية مع ميليس قد أربك حسابات البعض، خصوصاً أولئك الذين أخذوا يستعجلون مؤخراً سقوط النظام السوري، معتبرين أنه دخل آخر أيامه، وبالتالي شعر بأنه أوقع في يده، فإن ظاهرة هسام هسام بدت كأنها تقوض منصة او نقطة الارتكاز الاستراتيجية للانقضاض على النظام السوري والإجهاز عليه.‏‏‏

الا ان هذا كله لا يعني أبداً ان دمشق باتت في أمانٍ وأنها تجاوزت حال الخطر، فلا التسوية بحد ذاتها تقول ذلك ولا ورقة هسام ... هسام التي وإن عززت من منطق دمشق وزودته بحجج اضافية ليس سهلاً التملص والهروب منها، تكفيان للعبور الى وضعٍ آمن، ذلك ان دمشق تدرك حجم الاستهدافات ونوعها، وتدرك تماماً أي خيارات يراد محاصرتها بها، كما يدرك العديد من الأطراف اللبنانيين ما هي الاستهدافات المراد استهداف لبنان بها.. وهي استهدافات لا تقف عند حدود لبنان وسوريا، وإن كان مصير الصورة النهائية التي يراد أن يكونا عليها مرتبطا بعضها ببعض. ولذا ليس غريباً أن يخوض البعض صراعاته في لبنان كجزء لا يتجزأ من الصراع الدائر حول سوريا نفسها، وليس بدعاً ان يكون الحراك السياسي الداخلي والمواقف المعلنة، تتبع الإيقاع الخاص بنمط الكباش الدائر مع سوريا، وبالرؤى الخاصة لنهايات هذا الكباش، وهي رؤى تلعب فيها معادلة معقدة من الرغبة والتمني والتشفي والثأر المكبوت.‏‏‏

من هنا اعتبر البعض ـ وهو محق ـ ان التسوية بين دمشق وميليس ما هي الا تسوية الضرورة، فرضتها حاجات أكثر من طرف إقليمي ودولي، حاجات تبدأ بالهواجس الخاصة من وصول الأمر الى حال سورية تشبه الحال العراقية، وما يمكن أن يحمله شياع هذه الحالة من آثار وانعكاسات سلبية على لبنان والمنطقة بأسرها. أضف الى ذلك ان الهم الاميركي اليوم هو تقطيع آخر مرحلة من مراحل العملية السياسية في العراق، أي الانتخابات في 15 كانون الأول، كما أن هم بعض الدول العربية عراقي أيضاً، حيث العمل الجاد على كيفية استعادة التوازن ـ على الأقل ـ الى المشهد السياسي العراقي، والتمهيد بعد الانتخابات الى وضع جديد يكون أكثر قابلية لإنجاز تسوية تخدم هذا البعض، الذي يبدو مسكوناً بهواجس مذهبية وإتنية.‏‏‏

كما ان واشنطن وبعض العرب الذين لا يطيقون رؤية العلاقات بين دمشق وطهران تتوثق الى حد كبير، يظنون بأن بعض التطمينات كافية لكبح جموح هذه العلاقات.‏‏‏

ولا شك في ان لدمشق مصلحة أيضاً، فهي من جهة أكدت مجدداً ان مبدأ التفاوض لا سياسة القهر يمكن ان يؤتي نتائج، وذلك بالضد تماماً مع التوجه الاميركي ـ الاستكباري في المنطقة، ومن جهة أخرى فهي تثبت مرة أخرى صدق نيتها في التعاون، وتبطل ذريعة مهمة في القرار 1636 يمكن لواشنطن وحلفائها الركون اليها لبذل المزيد من الضغوط عليها. وهذا من شأنه ان يزود أصدقاءها وحلفاءها في مجلس الأمن بذخيرة مهمة للوقوف بوجه واشنطن.‏‏‏

الا ان هذا كله لم يحرم ميليس وإدارته الاميركية من الاحتفاظ بزمام المبادرة، حيث امكانية توجيه الاتهامات او تصعيب الأمور على دمشق تبقى في يده، لكن أي مصداقية ستبقى لميليس بعد الصديق وهسام هسام!..‏‏‏

الحسابات كبيرة وخطيرة، والوضع الى مزيد من خلط الأوراق، والى مزيد من التعقيد، فهل تقود التطورات الأخيرة الى مراجعة مع الذات تخفف على لبنان وعلى اللبنانيين والمنطقة معاناة إضافية، أم أن ركوب الرأس وهجوم الأطماع المدفوعة برغبات الاستباحة السلطوية قد يأخذ الجميع الى المجهول؟‏‏‏

فرصة أخيرة ليقظة الضمير، وإلا فإن التصادم آتٍ لا محالة.‏‏‏

مصطفى الحاج علي‏‏‏

2006-10-30