ارشيف من : 2005-2008

رؤية إسرائيلية لتطابق المواقف الفرنسية مع السياسة الإسرائيلية

رؤية إسرائيلية لتطابق المواقف الفرنسية مع السياسة الإسرائيلية

الانتقاد/ عين على العدو ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏

تشهد المنطقة العربية، ومن ضمنها لبنان وسوريا، تسارعا في التطورات السياسية المؤثرة والمتأثرة بعضها ببعض، مدفوعة بتسارع موازٍ في حركة السياسة الدولية في منطقتنا، وكأن هناك سباقا مع الزمن ومخاوف من فوات أوان بعض المخططات المرسومة. ومما بدا حتى الآن أن الخارطة السياسية للشرق الأوسط كما هي عليه الآن لم تعد تُلبي الطموحات الاستكبارية كما يُراد لها أن تكون، فضلا عن أنها أضحت بنظرهم تشكل منبعا للعديد من الأخطار... في المقابل محاولات تغيير هذا الواقع في الاتجاهات المُجسدة للمصالح والاطماع الغربية تجاوزت مسألة أنها ليست مضمونة، وبأنها محفوفة بالكثير من المخاطر، إلى بدء بروز مؤشرات على أن آفاق التغيير المنشود وكأنها مسدودة الأفق على الرغم من بعض المكابرة...‏

من ضمن مصاديق التغيير في السياسة الدولية المواكبة لما يجري في منطقتنا هو طبيعة ومستوى التغيير الذي شهدته السياسة الفرنسية التي بدورها خضعت للعديد من التحليلات المتعارضة والمتضاربة لتفسير حقيقة الأسباب والدوافع الكامنة وراءه.. ومن الطبيعي الافتراض انه أيضا في الكيان الإسرائيلي كما هو الحال تجاه الكثير من القضايا، العديد من الآراء... ونحاول في ترجمة هذا المقال نقل رؤية إسرائيلية تحاول تحديد الأسباب الكامنة وراء التطابق بين المواقف الفرنسية والسياسة الإسرائيلية إزاء المشروع النووي الإيراني وسوريا ولبنان، بحسب وصف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس "عاموس هرئيل" إلى اللغة العربية.‏

كيف حدث ان فرنسا اتخذت مواقف مطابقة لمواقف إسرائيل فيما يتعلق بالملف النووي الايراني والوجود السوري في لبنان؟‏

من يصغي إلى النغمة التي تتحدث بها فرنسا حاليا حول الشرق الاوسط، يجد صعوبة في إخفاء مفاجأته. في قصر الاليزيه، في مكتب رئيس الحكومة وفي وزارتي الخارجية والدفاع، ينهج الموظفون تقريبا خطا موحدا. فرنسا هي الآن الرمز اليميني الصلب لاوروبا في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الايراني والتدخل السوري في لبنان. من ناحية إسرائيل، كل ما ينبغي عليها أن تفعله هو الابتعاد عن الواجهة. الأوروبيون، وتحديدا الفرنسيين، يتخذون مواقف مطابقة للسياسة الإسرائيلية، وطالما لم يُنسب هذا الامر إلى النفوذ الضخم للصهيونية العالمية، يبدو أن إسرائيل تربح من ذلك.‏

لحد الآن، يعتبر هذا التطور مفاجئاً، وخاصة انه يتعلق بالدولة التي وصَّف سفيرها في تل ابيب ـ فقط قبل حوالى سنة ـ علاقة الإسرائيليين بها على انها "عصابية". وبدأ هذا الامر مع قضية الطفل محمد الدرة، الذي وَثَّق مقتله على مفترق نتساريم طاقم تلفزيوني فرنسي. واستمر بعدها في اللقاء الشهير في باريس الذي اقنع خلاله الرئيس جاك شيراك ياسر عرفات بعدم التوقيع على اتفاق وقف العنف بعد اسبوع من نشوب المواجهة.‏

ديبلوماسيون اسرائيليون وصفوا السنوات التي قضوها في باريس بأنها "مرعبة"، ولكن هذا الامر كان منذ زمن. بعد الانذهال الفرنسي من خطة فك الارتباط، وبعد الزيارات الناجحة لرئيس الحكومة أريئيل شارون والرئيس كتساف إلى باريس اختلفت الأمور بشكل مطلق.‏

الخط الفرنسي الجديد غير مرتبط بأحداث الشغب في أحياء الفقراء (الأحاديث الإسرائيلية عن "عدو إسلامي مشترك" لم تلقَ ترحيبا في باريس) وإنما يبدو أن هذا الخط نابع من تداخل عوامل أخرى: رغبة فرنسا في ترميم مكانتها في الشرق الأوسط التي فهمت أن الطريق لتحقيق ذلك يتم عبر مبادرات سياسية جديدة، ثم بحثت عن قاسم مشترك مع الولايات المتحدة بعد الأزمة التي نشبت معها حول الخروج للحرب في العراق (الفرنسيون مقتنعون اليوم اكثر من أي وقت مضى أن معارضتهم كانت صحيحة). بالإضافة إلى فقدان الثقة بالتفسيرات المتقلبة التي تطرحها طهران حول مشروعها النووي.‏

من دون نسبة هذا الكلام إلى أحد انتقد موظفون رفيعو المستوى في باريس السلوك الايراني بشكل قاتل. مسار الصحوة، الاوروبية بشكل عام، وفي باريس بشكل خاص، بدأ في صيف عام 2002 مع اعلان منظمة المعارضة الايرانية "مجاهدي خلق" عن تقدم المشروع النووي الايراني.... ومن الممكن ان نسمع بين السطور في جزء من الاحاديث التي تجري في باريس توافقاً تلميحياً لضربة عسكرية استباقية، هدفها كبح المشروع الايراني. والتحفظات المطروحة على ذلك ليست مبدئية ولا اخلاقية، وإنما تُعلَّل بالخشية من ان المواقع النووية الايرانية موزعة وسرية بشكل جعل من غير الممكن تدميرها في موجة واحدة من الضربات. وعشية الحوار الجوهري الاضافي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول مسألة نقل معالجة القضية الايرانية إلى مجلس الأمن الدولي، كثيرون من المسؤولين الفرنسيين اختاروا التأكيد على انهم يرون التهديد من طهران بعيون مشابهة جدا لعيون إسرائيل.‏

شراكة المصالح مع إسرائيل برزت أيضا في المحادثات مع كريستوف سابو، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة الفرنسية. في المكان برز على طاولتنا مصطلح دفاعي محترم من الشاباك الإسرائيلي. ولا يجد "سابو" المسؤول عن تنسيق مكافحة الإرهاب بين اجهزة الأمن المختلفة في فرنسا، أي صعوبة للاعتراف بالتعاون المتين والمثمر مع اجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. كما انهم في الجانب الإسرائيلي يؤكدون أن "سابو" ضيف مألوف ومرغوب به.‏

يعتبر "سابو" المكافحة الفرنسية للإرهاب على انها ناجحة، التي يمكن ان يحسدها عليها جيرانها الاوروبيون. "لدينا خبرة اكثر من 40 سنة منذ ايام الحرب في الجزائر، عندما ضرب جزء من هذه المنظمات في باريس. ومن بين كل الدول الاوروبية فرنسا هي صاحبة خط اكثر صلابة في مكافحة الإرهاب، فالقوانين في هذا الموضوع شُرعت لدينا قبل 20 سنة، إذ يوجد تفهم في المؤسسة القضائية لحاجاتنا، والقانون يمكننا من اتهام وإدانة إرهابيين، فقط، على خلفية التخطيط لعمليات".‏

ويروي "سابو" ان فرنسا تشن بالتنسيق مع إسرائيل حملة متابعة دائمة للجمعيات الخيرية المتعاطفة مع حماس والجهاد الإسلامي. اما ما هو موقفه تجاه حزب الله؟ يقول "سابو" يتردد "سابو" قبل أن يجيب، هذه مشكلة تنطوي على أبعاد سياسية. "الآن هم أيضا حزب، لديهم أعضاء في البرلمان. ولكن مع ذلك قبل 15 سنة كانوا متورطين في عمليات قُتل فيها فرنسيون. انتم ترون: في هذا الموضوع نحن بالضبط مثل الإسرائيليين لدينا ذاكرة طويلة".‏

هآرتس/ عاموس هرئيل/ 25/11/2005‏

2006-10-30