ارشيف من : 2005-2008

المطلوب حفظ سلاح المقاومة لا الاحتفاظ به

المطلوب حفظ سلاح المقاومة لا الاحتفاظ به

الانتقاد/تحت المجهر ـ العدد1137 ـ 25/11/2005‏

لا شك في أن مواجهات القطاع الشرقي من الحدود لدى تصدي المقاومة الإسلامية لقوات العدو وهي تعتدي على الأراضي اللبنانية عشية عيد الاستقلال، فاجأ الكثيرين، سواء من جهة أصل عملية التصدي، أو لجهة توقيتها وحجمها، الأمر الذي يدفعنا إلى التوقف أمام بعض ما تنطوي عليه من معانٍ:‏

لوهلة بدا للناظر من بعيد، أو من يريد أن ينظر من بعيد، لكونه قد لا يرى أو لا يريد أن يرى الأمور على حقيقتها، ان الأخطبوط الأميركي قد أحكم قبضته على لبنان، وأن خط المقاومة والممانعة فقد القدرة على المبادرة والصمود، بل هو في مسار تراجعي.. حتى ان البعض بدأ يقيس المسافة المتبقية له للوصول إلى القعر. ولكن كما في كل مرة، قداسة الدم وعزم المقاومين وحكمة وشجاعة قيادة المقاومة، أيقظت "ربما" المتوهمين على أن المشهد في لبنان أكثر تركيبا وتعقيدا مما يعتقد الأميركي ومن يسير في ركبه. فإلى جانب مشهد التدويل مع ما يعنيه من التحاق بالركب الأميركي، وبمعنى أدق حجز المقعد الملائم للدور الوظائفي الموكل إليه، هناك شعب ممانع ومعاند ومقاوم ما زال يملك التصميم والإرادة والقدرة لبذل الغالي والنفيس دفاعا عن لبنان وصونا لاستقلاله. وأبرز تجليات هذا التصميم هو تفعيل إرادة وقدرة التصدي فعلا لا مساومة فيه على أي حبة تراب تُدنس أو سيادة تُنتهك من أجل "حماية وطن يحمي مقاومة".‏

- ربما كثيرون في الداخل أو في الخارج، توهموا أن المقاومة أصبحت مقيدة عن أداء دورها ومسؤوليتها في المبادرة والتصدي للعدو، استنادا إلى التطورات السياسية المتسارعة في الفترة الأخيرة، وما واكبها من مظاهر وتصريحات وتحاليل وطروحات تتحدث عن نزع سلاح المقاومة أو التخلي الطوعي أو إقناع حزب الله بذلك، وفي أحسن الأحوال احتفاظ المقاومة بسلاحها والبحث عن آلية وصيغة تضمن ذلك بما لا يستفز المجتمع الدولي الضاغط لنزعه. لكن ما جرى فضلا عن انه أسقط هذه الأوهام إزاء شعور المقاومة بأولوية التراجع خطوة إلى الوراء، فقد أبرز حقيقة ينبغي ان تكون ماثلة أمام الجميع، وهي ان الأولوية ليست للاحتفاظ بسلاح المقاومة، بل لحفظ سلاح المقاومة، والفرق يكمن أن حفظ السلاح ينطوي على الاحتفاظ به بالشكل والمحتوى الذي يضمن فعاليته لتحقيق أهدافه التحريرية والردعية والدفاعية.. ولكي يتحقق هذا الاحتفاظ الفعال ـ حفظ سلاح المقاومة ـ يجب أن يكون في حالة من الجهوزية التامة بكل ما تعنيه وتفرضه هذه الكلمة من معانٍ، فوجوده والاحتفاظ به من دون هذا الشرط يصبح كعدمه، وإلا فكيف كان للمقاومة أن تؤدي مهمتها ومسؤوليتها كما حصل في الأيام الماضية، وكما قد يحصل المستقبل!..‏

- أيضا حفظ السلاح وليس الاحتفاظ به، هو الذي جعل خيارات جيش الاحتلال محدودة ومقلصة، وهو ما أبرزته التطورات الميدانية وأُقر به في الداخل الإسرائيلي، سواء بشكل مباشر كما عبر المعلق العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس"، الذي عنون مقاله "مجال مناورة الجيش الإسرائيلي محدود"، أو بمسميات أخرى على ألسن قادة العدو كشاؤول موفاز وغيره، ممن برروا عدم الذهاب بعيدا في اعتداءاتهم على ان ذلك يعود إلى تصميم وقدرة المقاومة ـ جهوزيتها ـ للتعامل مع ما يتناسب وحجم الأخطار والاعتداءات.‏

- إن حفظ سلاح المقاومة ـ أيضا ـ هو الذي ضمن وسيضمن عدم تمكين كل المتربصين بلبنان والمنطقة، وعلى رأسهم "إسرائيل"، من استغلال المناخات الدولية لتغيير المعادلات الميدانية على الجبهة، التي تنسحب تداعياتها لتطال إعادة رسم المعادلة في لبنان بأكمله، وتحول دون "تقويضه". كما ان محاولات تعديل المعادلات الداخلية والإقليمية العربية يستهدف ويؤدي إلى تغيير المعادلات الميدانية على طول الحدود مع العدو.‏

- الأمر المؤكد بعد هذه المواجهات هو أن العدو في حالة رصد دقيق لمواقف الداخل اللبناني، ليرى كيفية تعامله معها. وأهمية ذلك هو انه على ضوء الصورة التي ستتبلور، ستُبنى الخطط العملياتية والسياسية للمرحلة ما بعد هذه المواجهات. وللتذكير فإن اعتداءات العدو السابقة في تموز 1993 ونيسان 1996، كانت ترتكز في ما ترتكز، على الرهان بأن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى تداعيات سياسية وشعبية داخلية تلتف على المقاومة من الخلف.‏

أمام هذا الواقع، فإن المطلوب من أصحاب النيات الحسنة وإن أخطأوا في تقدير الموقف، أن لا يقعوا في الفخ الإسرائيلي، كي لا يشاركوا من حيث لا يدرون في استدراج العدو في مرحلة ما، لارتكاب حماقة ما برغم أنها قد لا تحقق أهدافها نتيجة تصميم وقدرات المقاومة. أما أصحاب النيات السيئة فلا تنفع مخاطبتهم.‏

علي حيدر‏

2006-10-30