ارشيف من : 2005-2008

المواجهات البطولية والنوعية للمقاومة الاسلامية :الاولوية لمواجهات الخطر الصهيوني

المواجهات البطولية والنوعية للمقاومة الاسلامية :الاولوية لمواجهات الخطر الصهيوني

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1137 ـ 25/11/2005‏

المواجهات البطولية والنوعية التي خاضتها المقاومة الاسلامية مع العدو الاسرائيلي لها هذه المرة معنى مختلف تماماً عن مجمل المواجهات التي خيضت منذ العام 2000، عام التحرير، حتى الآن.‏

هذا المعنى نستفيده من الظروف والسياقات والمصادقات السياسية التالية:‏

أولاً: انها تأتي في لحظة سياسية كادت مجمل التطورات والمتغيرات التي حدثت في لبنان، تنسي اللبنانيين من هو عدوهم الحقيقي. ثمة في لبنان من بات همه ان يهيل ضرباً من الركام والنسيان معاً على العدو الاسرائيلي، رافعاً شعاراً أو مستعيراً شعاراً بائداً من شعارات الحرب اللبنانية الداخلية، مفاده أن سوريا هي العدو. وثمة خلط متعمد وتشويه صارخ للحقائق، يستهدف الذاكرة اللبنانية من جهة، بقدر ما يستهدف قلب الأولويات وتحوير وجهة بوصلة الاهتمام، بعيداً عن الأعداء الحقيقيين والقضايا الحقيقية.‏

وفي هذا الاطار لم يكن بدعاً ولا مفاجئاً أن يعمل البعض على إعادة تعريف الاستقلال انطلاقاً من القطيعة مع الشقيق، وبالتالي مع البعد العربي الأقرب والألصق جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً، وفي ظل تناسٍ متعمد للعدو الأصلي.. كل ذلك في حالة من الطقوسية ـ الاحتفالية التي لم تشهد مثيلاً لها مع تحرير لبنان من العدو الاسرائيلي عام 2000.‏

هنا ثمة انتقام مضمر ـ كما يبدو ـ من إنجاز التحرير نفسه، انتقام يلتقي شاء أصحابه أم أبوا، مع ذلك النزوع الإسرائيلي له، الذي يتحين له الفرص منذ زمنٍ طويل.‏

ثانياً: انها تأتي في وقت تعمل فيه قوى وأطراف دولية وإقليمية ومحلية لتوليد انقسام لبناني داخلي حول المقاومة. لا ندعي ان هذا الانقسام اليوم هو غير موجود.. للأسف هو موجود وعلى نحوٍ يقود الى تحوير جوهري ليس في صيغة طرح الأسئلة فقط، بل وفي مضمونها أيضاً، وتلك الأسئلة المطلوب طرحها والإجابة عنها.. فبدلاً من أن يكون السؤال هو حول الطريقة المثلى لحفظ الأمن الوطني في لبنان، وكيفية الاحتفاظ بأوراق القوة التي تكفل تحقيق هذا الهدف، فإن السؤال المطروح من قبل البعض هو حول الطريقة المثلى لكشف هذا الأمن وإضعاف أوراق القوة التي يقوم عليها! السؤال الأول يقود الى البحث حول سبل حفظ المقاومة، حول سبل حمايتها ودعمها، والثاني يريد الوصول الى النتيجة المغايرة تماماً. الأول يبحث عن الشروط الفضلى لحفظ الاستقرار الداخلي، ولتوفير الشروط الضرورية لإطلاق عملية الإصلاح والبناء الداخليين،‏

والثاني هاجسه فئوي ـ سلطوي بكل ما في الكلمة من معنى.. القراءة للسلاح هنا تنطلق من سوء ظن، تحاول ان تخفي أهدافها التسلطية بمخاوف لا مبرر لها. طبعاً فيروس هذا الانقسام الداخلي ترعاه اليوم واشنطن وباريس ولندن من خلال القرار 1559، هذا القرار الذي بات يشكل رأس الحربة لإثارة الفتن الداخلية، ولحرمان لبنان من عناصر قوته الذاتية. وأكثر من ذلك لإعادة تعريف هويته انطلاقاً من استبدال عدوه الحقيقي بعدو مفترض.‏

ثالثاً: انها تأتي في وقت يعيش لبنان أزمة سياسية حادة تلامس حدود الأزمة الوطنية الشاملة. هذه الأزمة يختصرها الخلاف حول: أولاً: أولويات المرحلة. ثانياً: نوع التحديات التي ينبغي مواجهتها. ثالثاً: تحديد الإخوة والأصدقاء والأعداء. رابعاً: نوعية الشكوك والظنون المتبادلة. خامساً: الانقسامات الطائفية الحادة. سادساً: استغراق بعض القوى في لعبة سلطة ممجوجة، لعبة لم يتعلم أصحابها أي شيء من عِبَر الماضي القريب الذي ما فتئوا يلعنونه ليل نهار.‏

رابعاً: انها تأتي في لحظة سياسية صعبة يمر بها الكيان الإسرائيلي: حل الكنيست لنفسه، خروج العمل من الحكومة، إعلان شارون استقالته من الليكود واستعداده لتشكيل حزب سياسي خاص.. كل هذا يحدث في الوقت الذي يتهيأ فيه المشروع الصهيوني لولوج مرحلته الثانية فلسطينياً: رسم الحدود النهائية للكيان الإسرائيلي مع الضفة والقطاع، الهروب المديد الزمن من معالجة قضايا الحل النهائي، حرمان الفلسطينيين من شروط الدولة القابلة للحياة، ترك الوضع الفلسطيني تحت تأثير الضغط الإسرائيلي الهادف الى إحداث فتن داخلية.‏

مجمل هذه التطورات التي حدثت فيها المواجهات النوعية، تجعلها تحمل معاني خاصة أبرزها:‏

ـ إعادة تحديد مكمن العدو الحقيقي الذي يجب ان يبقى الحد الفاصل الذي يميز معنى لبنان ويُكسِب هويته معناها العربي الحقيقي، بدلاً من تشويه هذه الهوية من خلال المس بمضمونها بقياس خصوصياته على مقياس أعداء .........‏

ـ إعادة تأكيد أن المقاومة تبقى الركن الأساسي والجوهري في معادلة حفظ أمن لبنان القومي والوطني، وفي الدفاع عن أهلنا، وفي ردع هذا العدو الإسرائيلي عن التمادي في عدوانه، ويشهد على ذلك انضباطه ضمن حدود المواجهة المعروفة.‏

ـ ان الخطر الإسرائيلي تبقى له الأولوية التي يجب أن لا ينساها أحد، وأنه لا معنى لأي إنجاز داخلي اذا لم يكن يستند على هذه الأولوية، التي من شأنها أيضاً ان تعيد توجيه السياسات الأمنية وفق هذا الاتجاه، لا كما يحدث الآن.‏

ـ ان لبنان سيبقى في عين العاصفة الإسرائيلية، وهو سيبقى المكان الأنسب له لممارسة سياسة الهروب الى الأمام من أزماته الداخلية. ولولا ما تفرضه عليه المقاومة من حدود وتقييدات، لكان استباح الأرض والبيوت والحقول والبشر، وبالتالي فإن صفحة هذا الخطر لم تُطوَ ولن تُطوى ما دام الصراع العربي ـ الإسرائيلي قائماً.‏

ـ لقد حان الوقت ليخرج البعض من اللون الرمادي في موقفهم من القرار 1559، ليقفوا مع وطنهم وناسهم أولاً وأخيراً.. وبالتالي فالتذرع بأنه لا يمكننا رفض القرارات الدولية لم يعد نافعاً، سيما اذا كانت هذه القرارات من النوع المضر بالمصالح الاستراتيجية للبنان واللبنانيين.‏

مصطفى الحاج علي‏

2006-10-30