ارشيف من : 2005-2008
ثورة على "الثورة"
الانتقاد/ خلف القناع ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005
"كل الحيوانات لها نفس الحقوق"
عبارة لطالما ترددت في ذاكرتي منذ أيام الدراسة الثانوية، وقد وردت في قصة "جورج أورويل" الشهيرة والذائعة الصيت "مزرعة الحيوانات".
وتروي هذه القصة تفاصيل مزرعة يعيش فيها مجموعة من الحيوانات وتقرر "الثورة" على صاحب المزرعة، واستلام زمام الامور فيها وإقامة حكم ذاتي، ولكن المكاسب والمغانم تهب عليها من كل جانب فتتهاوى من الداخل.
عندما اندلعت احداث باريس تذكرت تلك العبارة وعدت الى ما عرف بمبادئ الثورة الفرنسية التي اخذت بأفكار: "مونتسكيو" .. وغيره، ورفعت شعار: (الحرية ـ الإخاء ـ المساواة)، على الرغم من ان آراء الكثيرين تقول عكس ذلك إلى حد الجزم بأن "الباستيل" كان فيه سبعة مساجين فقط.. ثلاثة منهم مجانين كما يقول "سيرجو بوسكيرو" رئيس الحركة الملكية الإيطالية.
وللقارئ أن يراجع التاريخ ليجد أنه قد تتشابه الاوضاع الاقتصادية والسياسية للناس في المرحلتين، ولكن يسهل اكتشاف العفن في هذه المبادئ، وليقرأ قول مونتسكيو في بعض عباراته: "لو طلب مني تبرير حقنا المكتسب في استرقاق السود لقلت إن شعوب أوروبا بعد أن أفنت سكان أميركا الأصليين لم تر بداً من استرقاق السود في إفريقيا لتسخيرهم في استغلال تلك البقاع الواسعة، ولولا استغلالهم في زراعة هذه الأرض للحصول على السكر لارتفع ثمنه"..
ثورة تقوم على استرقاق الشعوب، بسبب لونها، وثورة يفني أصحابها بحروب إبادة شعوباً أخرى، ونتابع مع "مونتسكيو": "إنه لا يتصور مطلقًا أن الله بحكمته السامية قد وضع في تلك الكائنات السود أرواحاً يمكن أن تكون طيبة".
"الثورة" التي يرى أحد مفكريها أن السود كائنات لا تستحق الحياة ألا تستحق ثورة عليها.
وبالعودة إلى عبارة "أورويل"، قام بعض الحيوانات ممن تصدى للقيادة بإضافة ملحق على القسم الاول من العبارة، فأصبحت كالتالي:
"كل الحيوانات لها نفس الحقوق، ولكن بعض الحيوانات لها حقوق أكثر من الآخرين".
وهنا بيت القصيد.. مبادئ هؤلاء آلهة من تمر يأكلونها حين يجوعون..
ضاقت بهم قطعة قماش تستر بها فتاة شعرها وجسدها.. وضاق بهم أثير قناة تبث الخير والفضيلة والوعي.. وضاق بالبولوني اليهودي المهاجر المكان فقرر رمي "الملونين" خارجه..
وللعلم هي ليست موجة في فرنسا فقط.. فالحبل الأوروبي على الجرار.. فالعنصرية تتنامى، وكره الآخر يزداد انتشاراً، والتقوقع والعودة الى كهوف جاهليتهم تتمدد..
فيا كل الباحثين عن الاخوة والعدالة والمساواة والحرية في غير مكانها عودوا الى حضارتكم التي علمت هؤلاء الاغتسال خمس مرات، وأضاءت شوارع قرطبة بالسراج، وأهدت "شارلمان" ساعة لم يكن يعرف قبلها معنى الوقت، وتذكروا:
بلادي وإن ضاقت علي عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كرام
مصطفى خازم
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018