ارشيف من : 2005-2008
ميليس بعد القرار 1636: أي استهداف لدمشق ولماذا؟
يتوزع الاهتمام السياسي على أكثر من مسار وملف داخلي، اضافة الى متابعة ما يجري في فرنسا والولايات المتحدة تحديداً، ليس من باب الترف السياسي، وإنما من باب التحسب لما يمكن ان تتركه من انعكاسات على اهتمامات هذين البلدين في لبنان والمنطقة، وفي طليعة ذلك:
مسار العلاقة بين دمشق ولجنة التحقيق الدولية، خصوصاً بعد صدور القرار 1636. هذا القرار الذي زوّد رئيس لجنة التحقيق ديتليف ميليس بصلاحيات واسعة، تسمح له باستجواب اي شاهد سوري في أي مكانٍ يراه مناسباً، وبموجب هذا القرار بات ميليس ايضاً ليس قاضياً في ملف اغتيال الرئيس الحريري، وانما قاضياً في ملف علاقة دمشق مع مجلس الأمن، ومن خلاله مع المجتمع الدولي. اذ يكفي هنا ان يقول ميليس في تقريره ان دمشق لم تتعاون معه، لكي تصب عليها واشنطن وفرنسا جام غضبهما، ويذهبان بتهديداتهما لها الى لحظة فرض العقوبات، والتهديد بالصلاحيات التي يمنحها لهما البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
من هنا، يبدو ميليس هو سيد اللعبة، فهو من يضع، بل ويملي قواعدها، فيمكن له ان يلين هذه القواعد مع دمشق، ويمكن له ان يصعبها عليها لدرجة الاحراج فالاخراج.
ومن الواضح، ان طبيعة هذه القواعد لا علاقة لها البتة في مجريات التحقيق ولوازمه، بقدر ما هي قواعد سياسية بامتياز، يتم صياغتها، وتحديد المقبول منها والمرفوض، وفق استراتيجية اللعبة الدولية التي يديرها المايسترو الاميركي، والأهداف التي يراد بلوغها، والموضوعة مسبقاً، والا اذا كان الأمر عكس ذلك، فلماذا يصر ميليس على استجواب الضباط السوريين الستة في لبنان، وهو يدرك المغزى السياسي والمعنوي لهذه الخطوات، ونتائجها المحتملة على صورة النظام السوري، ولماذا هذا الرفض المتشوق لطلب دمشق ودعوتها له لزيارتها لتنسيق خطوات التعاون، وخصوصاً انها ابدت حرصاً على وضع بروتوكول تفاهم بينها وبين لجنة التحقيق شبيه او مثل البروتوكول الذي يحكم علاقتها مع الدولة اللبنانية.
ويكفي لسبر مغزى هذا النمط من تعاطي لجنة التحقيق مع دمشق، العودة الى رد فعل المندوب الاميركي في مجلس الأمن جون بولتون على موقف الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي مدح فيه تجاوب دمشق مع لجنة التحقيق، حيث هاجمه بعنف مندداً به، فواشنطن لا تتمنى ولا ترغب ان ترى دمشق متعاونة، ولأنها هي كذلك، فهي توجه الأمور نحو وضع قواعد معقدة ومحرجة لدمشق، لتظهر في الأخير بمظهر غير المتعاون. وهذا مغزى ما قالته أيضاً اليزابيت ديبل، نائبة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية عندما قالت: ان الكرة الآن في ملعب دمشق.
موقف، قد يكون موضوعياً قياساً على القرار 1636، لكن الوجه الآخر لهذا الموقف، الذي لا تفصح عنه ديبل، هو أنه اذا كانت الكرة في ملعب دمشق، فهي ليست من يضع قواعد اللعبة الآن، وانما ادارتها، وبواسطة ميليس نفسه، والقواعد هنا لا علاقة لها بالتحقيق، بقدر ما لها علاقة بالسياسة، وتحديداً بالملفات التي تريدها الولايات المتحدة:
أ ـ حمل دمشق ليس على التعاون الأمني في العراق، وانما على ان تشكل قاعدة حليفة لها في خدمة مشاريعها في العراق والمنطقة.
ـ تقديم كل ما هو ممكن للتخلص من سلاح المقاومة في لبنان، وبالتالي المساعدة في تحويل لبنان من موقع الممانعة الى موقع التصالح مع الكيان الاسرائيلي.
ـ الانسجام مع مسلسل الاستسلام العربي بل الرسمي للكيان الاسرائيلي على غرار نماذج اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة، وبالتالي التوصل الى تسوية ترضي الكيان الاسرائيلي، وتوفر فرصة الاطباق الاستراتيجي على القضية الفلسطينية بما يسهل من عملية الاجهاز عليها نهائياً.
باختصار، المطلوب اميركياً من سوريا، ليس مجرد تغيير سلوك بسيط في موقف هنا او موقف هناك، أو من قضية هنا، وقضية هناك... المطلوب هو ان تنقل سوريا من موقعها ودورها العروبي والقوي الملتزم قضايا المنطقة، الى موقع ودور الدولة التي تدور في فلك السياسة الاميركية والمشروع الشرق أوسطي في المنطقة، والمفصّل على قياس مصالح الكيان الاسرائيلي.
في هذا الاطار، وبعد القرار 1636، لم يعد ميليس مجرد محقق قضائي في جريمة كبيرة، بقدر ما بات رأس حربة في كباش دولي وإقليمي يمس مصير سوريا ولبنان والمنطقة بأسرها.
مصطفى الحاج علي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018