ارشيف من : 2005-2008
السياق الأمني والسياسي لعملية الضفة الغربية
الانتقاد/ تحت المجهرـ العدد 1132 ـ 21/تشرين الاول/ اكتوير 2005
يمكن التوقف مطوّلاً عند السيناريوهات المفترضة للدوافع والأهداف التي أملت على المقاومين الفلسطينيين تنفيذ عملية عسكرية، استهدفت مستوطنين في "الضفة الغربية"، وفي هذا التوقيت بالذات، صُنِّفت على أنها موجعة نسبيا كونها أدت، فيما أدت، إلى مقتل ثلاثة مستوطنين وسقوط عدد آخر من الجرحى، ومن ثم مناقشة وتقويم كل من هذه السيناريوهات المفترضة. في كل الأحوال أمامنا عملية عسكرية استهدفت مستوطنين تمت في سياق أمني سياسي يساهم في بلورة جانب من نتائجها وفي بلورة صورتها والأبعاد الكامنة فيها.
على مستوى السياق الأمني نلحظ أن هذه العملية نُفذت في الضفة الغربية وليس في قطاع غزة، وفي أعقاب سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية تمثلت باغتيال كوادر ومجاهدين من فصائل المقاومة، وشن حملات اعتقال شملت اكثر من 700 فلسطيني، أكثريتهم الساحقة من حماس والجهاد الإسلامي، بحسب إعلان العدو نفسه.
- أن تتم هذه العملية في الضفة الغربية وليس انطلاقا من قطاع غزة يعني أنها تجنبت تفجير صراع فلسطيني ـ فلسطيني، يجعلها موضع سجال داخلي ما يدفع إلى التساؤل إن كان ذلك يُعبر عن تكتيك جديد يهدف وينطلق من مبدأ تحييد قطاع غزة بمعنى من المعاني.
- أضف إلى ذلك أن هذه العملية تشير إلى أن التقديرات، سواء الصادرة عن أجهزة الأمن الإسرائيلية أو عن المعلقين المختصين، لم تعد مجرد توقعات، بل ربما تكون قد بدأت تنتقل إلى حيز التحقق، أو على الأقل تمثل العملية مؤشراً على أن السياقات العملية لتفعيل الانتفاضة والعمليات مرتبطة بالتوقيت السياسي ليس إلا، وهو ما يثير قلق الإسرائيليين، حكومة ومجتمعاً ومؤسسات أمنية وعسكرية.
- أتت هذه العملية أيضا لتؤكد منطق المعادلة التبادلية التي تصر عليها فصائل المقاومة، بمعنى انه من المفترض أن هناك حالة تهدئة تسود بين الجانبين منذ بداية هذه السنة، والتي ينبغي بموجبها أن تمتنع "إسرائيل" عن شن اعتداءات على الفلسطينيين، إلا أنها تواصل حملة اعتقالات واسعة النطاق منذ أسابيع في أرجاء الضفة الغربية وكأن شيئا لم يكن. وبما أن العدو لم يلتزم بها فإنه من حق، بل ومن واجب هذه الفصائل، أن تمارس دورها في الدفاع عن شعبها.
أما على المستوى السياسي فمما يمكن الإشارة إليه هو أن هذه العملية تأتي بعد استكمال الخروج الإسرائيلي من داخل قطاع غزة، وفي ظل صراع إسرائيلي داخلي في تقويم ما سلف والموقف مما هو آت على ساحة الضفة الغربية، كما انه لا يمكن القفز فوق حقيقة أن هذه العملية تزامنت مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إلى الولايات المتحدة التي يلتقي خلالها بالرئيس الأميركي جورج بوش.
- تأتي هذه العملية بعد أن أقدمت "إسرائيل" على ما تعتبره (وتروج له أيضا) انه تنازل كبير يتمثل بخروج جيشها ومستوطنيها من قطاع غزة، الأمر الذي ينبغي ان يعقبه قدر من الراحة والهدوء لفترة من الزمن إن لم يكن لفترات زمنية ممتدة.. والعملية في أحد أبعادها تسقط هذا الوهم وتعزز المخاوف لدى الإسرائيليين على أن ما مضى لم يكن سوى مرحلة من مراحل الصراع، ومباشرة بدأت الكوابيس تراود الإسرائيليين بأن الهدوء الذي ساد لم يكن إلا من النوع الذي يسبق العاصفة.
- وكما هي العادة في السجال السياسي الداخلي الإسرائيلي من الطبيعي ان يتم استغلال هذه العملية في هذه الصراعات الداخلية، وخاصة من المعارضين للانسحاب من قطاع غزة، والمنافسين لشارون على قيادة حزب الليكود، كون أن هذه العملية تُعزِّز، نظريا، كفة معارضي شارون الذين رددوا طويلا مقولة ان الانسحاب من القطاع سيؤدي إلى تعزيز "الإرهاب" في الضفة ولن يوقفه، إضافة إلى تردادهم الدائم لمعزوفة أن الانسحاب من غزة هو هبة مجانية قُدِّمت للفلسطينيين من دون أثمان سياسية أو أمنية تتعلق باستمرار الانتفاضة والمقاومة. وبالتالي فإن العملية أعادت إلى هؤلاء أداة إعلامية كانوا قد افتقدوها بعد فوز شارون في التصويت الذي جرى مؤخرا في الحزب.. وعليه من الطبيعي أن نسمع تصريحات ومواقف لليمين المتطرف تهاجم شارون وتُحمِّله المسؤولية، ما يضاعف من خسارة شارون في هذا الإطار.
- لعل البُعد الذي قد يكون أكثر عرضة للسجال الداخلي الفلسطيني هو تزامن هذه العملية مع زيارة أبو مازن إلى الولايات المتحدة بناءً على ادعاء أنها سوف تحرجه أمام الرئيس الأميركي! في حين ان اعتقال 700 فلسطيني واغتيال وقتل العشرات من الفلسطينيين قبل تنفيذ هذه العملية لم يكن ليشكل أي حرج، أو سبباً كافياً لأي موقف يتعلق بأصل هذه الزيارة وبجدول أعمالها على الرغم من انه في حال توافرت الإرادة السياسية يمكن لأبو مازن أن يستخدم هذه العملية لمصلحته بالاستناد إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية تدفع فصائل المقاومة للدفاع عن نفسها وعن شعبها، وعليه فمن أجل عدم إرباك مسيرة بناء السلطة وتمهيداً لانطلاق العملية السياسية يفترض بهذه الاعتداءات أن تتوقف، وخاصة أن المقاومة الفلسطينية ملتزمة بالتهدئة التي أعلنتها، والذي يخرقها على الدوام هو الجيش الإسرائيلي.
علي حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018