ارشيف من : 2005-2008

ثورة الثكلى

ثورة الثكلى

لا تبدو الحكاية عن امرأة عادية جاءت من كاليفورنيا ومعها مشروع انتخابي منافس لبوش، او تطلب منه عطية.. بل عن اميرة ثارت على عرش الملك لتقول لا لكل سلطانه وقوته وقدرته، ولو كلفها ذلك ان توضع الاصفاد بيديها وتقاد الى عربة الشرطة.. بعدما فقدت اعز ما تملك في هذه الدنيا في حرب ارادها السلطان لنفسه وعز عشيرته.‏‏

ساندي شيهان(48 عاماً) صانعة كوابيس بوش التي ايقظت في لحظة غضب كل ما حاول صانعو القرار في البيت الابيض نسيانه عن فيتنام ورعبها، ومشهد الموت العائد اليهم في التوابيت.‏‏

هي اهم رافعة للافتات التي ترفض الحرب الاميركية على العراق، زرعت الشوارع والارصفة بالصلبان واسماء القتلى كتعبير عن الموت المحدق برسل الحرب الاميركيين..‏‏

وقبل كل شيء هي ام ثكلى بولدها "كيسي" ابن الاربعة والعشرين عاما الذي انتزع منها ليؤخذ الى حرب بوش في العراق، وبعد وصوله اليها بخمسة ايام عاد اليها بصندوق خشبي يحمل اسمه، ولو قدر لها لما سمحت له ان يخوض في ألغام العراق، ولو قَبِل لكانت هربته الى كندا او داست بعجلة سيارتها قدميه، ولكنه ذهب الى العراق وعاد اليها كما كانت تخشى، ولانه قتل في حرب لا تجد انها الحرب التي تفتخر بفقدان عزيزها فيها، خرجت لتقول للادارة الاميركية: أعيدوا اولادنا الينا فوراً.‏‏

قبل ذلك كانت ساندي تجد ما يشغلها في حياتها العادية، ولكن بعد فقدها كيسي وانتفاخ عينيها من البكاء عليه (كما عبرت الصحف الاميركية) تحولت الى امرأة اخرى تقود ام الثورات الشعبية في الولايات المتحدة (حملة عائلات النجوم الذهبية من اجل السلام) على الادارة الاميركية، تحمل لافتاتها وصلبانها وتتنقل من ولاية الى اخرى فتجد الالاف وقد تحلقوا حولها، تخيم مع المؤيدين لها أمام مزرعة بوش بتكساس فلا يخرج للقائها، تفرض حصاراً عليه، تلاحقه الى رصيف البيت الابيض فتجد الاصفاد بانتظارها، لانها تتظاهر بلا ترخيص!!.‏‏

ساندي تطلق سؤالاً بريئاً: ما هو الهدف النبيل الذي تحدث عنه الرئيس والذي قتل من اجله ابني؟، فلا تجد منه جواباً...، لكن حركتها باتت تقلق الادارة الاميركية، بعد ان تخطت حدود الخطاب العام الى التهديف على شخص بوش حين سألت لماذ لا يرسل ابنتيه الى العراق؟، او عندما تحلّق حولها أكثر من خمسين اميركياً ليخاطبوا وسائل الاعلام بقولهم "بوش قتل ابنها!"‏‏

لقد اعادت هذه السيدة الثكلى الاميركيين سنوات طويلة الى الوراء، ليستعيدوا تاريخ بوش الذي بقي لخمس سنوات من ذروة الحرب في فيتنام، يخدم في الجبهة الداخلية للحرس الوطني، فيما كان أقرانه يقضون نحبهم وشطراً من حياتهم في الأدغال المفخخة ومستنقعاتها المخيفة.‏‏

انها ثورة الأم الثكلى التي بدأت تكبر ككرة الثلج لعلها تعيق جموح القاتل..‏‏

امير قانصو‏‏

الانتقاد/ خلف القناع ـ العدد 1130 ـ 7 تشرين الاول 2005‏‏

2006-10-30