ارشيف من : 2005-2008

التعيينات الأمنية خطوة مهمة ..والعبرة بالخطة

التعيينات الأمنية خطوة مهمة ..والعبرة بالخطة

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1130 ـ 7 تشرين الاول/ اوكتوبر 2005‏

ولدت التعيينات الأمنية أخيراً.. الطريقة التي جرت بها الولادة بدت سهلة.. السؤال الذي تطرحه هذه السهولة يتمحور حول الأسباب التي أدت الى تأخير صدورها ما يقرب من ثلاثة أشهر! لا يخفى على أحد أن هناك من حاول أن يحمّل مسؤولية التأخير أطرافاً داخل الحكومة، وأن يحمّلها بالتالي مسؤولية الفراغ الأمني في البلاد، وأن يرمي عليها كل تقصير الآخرين.. وفي الواقع الحقيقة هي غير ذلك بالكامل، والمعنيون بالمسألة يدركون هذا الأمر كما هو، لكن من لم تعجبه فلسفة إدارة العمل الحكومي بالتوافق ولا يزال يتحيّن الفرص لفرض منطق الأكثرية والأقلية، وجد المدخل الأمني فرصة للتنصل من المسؤولية أولاً، ولرشق الآخرين بالاتهام ثانياً، وصولاً الى ما في نفس يعقوب ثالثاً.‏

اذا كان من معنى سياسي للتعيينات في هذه اللحظة، فهو بالتأكيد خارج لعبة المحاصصة وتثبيت المواقع والأدوار، لأن المسألة لو كان هذا معيارها لانتهت منذ زمن بعيد، لأن النتائج التي تمخضت عنها التعيينات لم تأت خارج ما كان متداولاً ومطروحاً أصلاً.. فالمعنى السياسي للتعيينات هو أن لعبة الرهان على تقرير ميليس لم تعد رابحة، خصوصاً في أجواء الكلام المتردد عن تمديد عمل لجنة التحقيق، وفي أجواء الكلام المنسوب اليه قبل سواه، والناقد للحد المرتفع للتوقعات المطلوبة منه، لا سيما لجهة حل المشاكل السياسية ليس للبنان، وإنما للسياسيين فيه. هذه المناخات، اضافة الى الانهيار الأمني الذي يعيشه لبنان، والذي أظهر الى حد كبير مدى العجز والتقصير الأمنيين للدولة، وفي ظل إغراق البلد بالهواجس والمخاوف من اضطرابات أمنية قادمة، كل هذا سهّل ما لم يكن سهلاً من قبل، فكانت الولادة السلسة للتعيينات الأمنية.‏

هذه التعيينات على أهميتها، تبقى خطوة إجرائية ناقصة ما لم يُتوافَق على الخطة السياسية لعمل الأجهزة الأمنية. هنا تبدأ القصة وهنا تنتهي، لأن التوافق على هذه الخطة هو لبّ الأمور كلّها.‏

من نافل القول ان الأجهزة الأمنية تعاني نواقص بشرية كبيرة فنية ولوجستية، ومن نافل القول أيضاً أن إعادة هيكلة عمل الأجهزة الأمنية لا يمكن ان تحصل قبل الإجابة عن سؤال، بل أسئلة محددة، تتمحور حول طبيعة العدو الذي يجب التركيز عليه استقصاءً ومتابعةً، وصولاً لدرء أخطاره قبل وقوعها.. والأخطار هنا لا تمس فئة بعينها او مجموعة بعينها، وإنما تمس عموم الاجتماع ـ السياسي اللبناني بكل تلاوينه وأطيافه. من هنا، اذا كانت الإجابة عن تلك الأسئلة تفترض ان الكيان الإسرائيلي وعملاء العدو والفئات التي لا ترى فيه عدواً ولا تمانع في التعامل معه، عندها ستكون المهام الأمنية للأجهزة متمحورة حول هذا العدو بكل تشعباته.. وأما اذا كانت الإجابة تفترض عدواً آخر، فعندها ستتمحور عمل الأجهزة الأمنية باتجاه هذا العدو الآخر أيضاً.‏

باختصار، إن أي خطة أمنية ناجحة تفترض توافقاً داخل الحكومة على المعنى السياسي لهذه الخطة، وإلا فقدت هذه الخطة قدرتها على تحديد وجهتها السليمة المطلوبة، وغرقت في تخبط أعمى.‏

ان عدم حسم الخطة الأمنية حتى الآن لا يبشر بالخير، لأنه يعني في ما يعنيه، ان هناك خلافاً سياسياً حول المحددات السياسية لهذه الخطة، وبالتالي هناك من لم يعد يرى في الكيان الإسرائيلي عدواً، أو على الأقل لا يرى فيه عدواً أولاً، وهذا بدوره اذا دلّ على شيء، فإنما يدلّ على عمق المأزق الوطني الذي نحن عليه، هذا المأزق الذي يتجسد في الخلط الكبير بين الأخ أو الصديق وبين العدو.. هذا الخلط حتى لو كان في الأولويات، يصيب الهوية الوطنية للبنان التي يفترض ان الطائف حسمها، وأن الجميع موافق عليها باتجاهات عميقة.‏

ثمة خطأ استراتيجي يرتكب هنا، خطأ لا يستفيد منه إلا أعداء لبنان والعروبة: الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة. اذا كان التغيير مطلوباً في لبنان، فليس على قاعدة خوف الأعداء الحقيقيين، وصناعة أعداء غير حقيقيينّ إن هذا التحول خطير لأنه سيعني في ما يعنيه، إقحام لبنان في تحالفات ضد نفسه قبل ان تكون ضد الآخرين، تحالفات لا تخدم إلا المشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة.‏

مصطفى الحاج علي‏

2006-10-30