ارشيف من : 2005-2008

بروطس

بروطس

في ليلة لم يكن للقمر ضوء فيها أرسل الموقع إشارات الاستراحة بعدما تابع آخر الطائرات وهي تنهي مهمة خرقها للأجواء اللبنانية.‏

أغمض الموقع عينيه على اطمئنان بطول يد التخريب الصهيونية التي اغتالت قبل يومين مجاهدين من حركة الجهاد الإسلامي.‏

توالت ساعات الليل حتى ما قبل انبلاج الفجر وإذا بزلزال يهز الجبل الذي يربض عليه.‏

يفتح عينيه مذهولاً: عين واحدة تفتح، الأخرى مصابة.‏

ماذا يجري؟‏

أهو بركان ثار فجأة ومن دون إنذارات مسبقة؟‏

لا.. لا يعقل‏

إذاً ما الأمر؟‏

هنيهة يأتيه الخبر: إنها صواريخ تقض مضجعه!‏

صواريخ؟؟‏

يتساءل بكل ما للدهشة من تعبير، يحاول أن ينظر حوله.. لا شيء‏

الصواريخ لا تطاله إلا هو.‏

ينظر باتجاه الحدود مع لبنان والرعب يملؤه: هل أصبحت قريبا من هذه الحدود حتى تنال مني الصواريخ هذا النيل؟؟‏

يحاول النظر بعين واحدة: لا.. هذه الحدود لا تزال بعيدة بعد العشرين كيلومتراً.‏

فجأة تمر أمامه صور الاقتحامات التي كان يقودها رجال المقاومة في لبنان ضد المواقع الصهيونية، وكيف كانت هذه المواقع تنهار تحت أقدام المقاومين، لكن ما زاد من رعبه هو أن هذه المواقع كانت تتعرض لقصف تمهيدي، حاول ما استطاع التجوال بعينه غير المصابة لعله يجد ما ينفي به هذه الفكرة.‏

حينها أشرقت الشمس، فأشرقت معها الحقيقة المرة: لقد تم قصفي من مسافة تبعد أكثر من عشرين كيلومتراً، وتمت الإصابة بشكل مباشر، ولم يضلّ أي صاروخ طريقه!!!‏

هنا لمعت الفكرة المخيفة الأخرى.‏

هذا الموقع هو موقع ميرون الذي يعتبر قاعدة المراقبة الجوية التابع لسلاح الجو الإسرائيلي ويطلق عليه صفات قيادية عالية كوحدة الإشراف والقيادة أو وحدة التحكم الجوي، وهي صفات تعبر جيدا عن مهماته في التوجيه والتحكم بالطائرات التي تستبيح الأجواء اللبنانية وربما غيرها أيضا.‏

هذا الموقع بات هدفاً سهلاً يمكن إصابته في الليالي الظلماء.‏

انتصف النهار التالي ولمّا يزل مأخوذاً بالحادثة، من دون أن يستطيع أن يجد تفسيراً مطمئناً.‏

فجأة بدأت أصوات الانفجارات تأتي من بعيد.‏

نظر إلى الحدود، أشرق محيّاه، إنهم ينتقمون لي.‏

حاول الاتصال بما تبقى له من أجهزة بالمواقع الأمامية.‏

ماذا يجري؟‏

لم يجبه أحد، الكل مشغول بالمعركة. حاول التنصت لعلّه يجد ما يثلج به صدره.. لم يفلح.‏

استنفر كل طاقاته المتبقية بعد ضربة الفجر.. سمع همساً.. سلط راداراته باتجاه الحدود.. سمع صراخاً.‏

استبشر خيراً بالانتقام.. ركّز أكثر.. تجهم وجهه.‏

هذا الصراخ ليس غريبا عنه، إنه صوت يعرفه.‏

ركز أكثر، قطب حاجبيه ثم أفردهما رعباً: إنه موقع قيادة الجليل.‏

لم يجد ما يواسيه به فلقد سبقه بالمصاب، ارتد إليه بصره خائباً.. لمح نظرة الخوف والرعب على المواقع المحيطة، وهي تنظر إليه. ابتسم بعد جهد ابتسامة شماتة صفراء وهو يردد لهم المثل الشهير لكن بتعديل بسيط... حتى أنا يا بروطس؟!‏

محمد يونس‏

خلف القناع/ العدد 1164 ـ 2حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30