ارشيف من : 2005-2008
في الذكرى السنوية الـ58 على قيام الكيان الإسرائيلي:أولمرت يعترف بفشل مشروع التوسع الصهيوني
علي حيدر
بعد مضي 58 عاما على قيام "دولة إسرائيل" في 15 أيار 1948، وقف رئيس حكومة العدو إيهود أولمرت ليعلن خلال أدائه اليمين الدستورية أمام الكنيست أن "تقسيم البلاد (كامل أرض فلسطين) حبل نجاة الصهيونية"، في محاولة لمصارحة الرأي العام الإسرائيلي حول منطلقات خطة "الانطواء في الضفة الغربية"، التي تتضمن إخلاء عشرات المستوطنات من بعض مناطقها والانكفاء نحو نقاط يحددها العدو بنفسه حدودا "دائمة" لكيانه.
هذا الموقف غير المسبوق لرئيس حكومة إسرائيلية بهذه المباشرة وبهذا الوضوح، يستدعي التوقف لقراءة جانب من دلالاته المرتبطة بالسياق السياسي الحالي وبمقارنة موجزة مع المسار السياسي التاريخي لهذا الكيان:
ـ ما ينبغي أن يكون حاضرا على الدوام هو أن المناطق التي انسحب وينوي الانسحاب منها، تعتبر في الفكر الصهيوني حقا للشعب اليهودي، سواء من منطلق تاريخي أو ديني، وهي قناعة راسخة في صفوف كل الشرائح الاجتماعية والمعسكرات السياسية، نُخَباً وقواعد.. ولم يفوِّت أولمرت نفسه الفرصة للإشارة إلى هذه القناعة بعدما تحدث عن حبل نجاة الصهيونية "... بأنه ككثيرين آخرين حلم وسيبقى يحلم بالحفاظ على كل مناطق أرض إسرائيل وعدم التخلي عن أجزاء منها.. وأنه فقط من تشتعل أرض إسرائيل في روحه، يعرف ألم التخلي والتنازل عن أرض الآباء والأجداد"!!
ـ أيضاً ينبغي استحضار أن الاستراتيجية التي كانت معتمدة من قبل العدو تحت عنوان الحفاظ على وجود الكيان الإسرائيلي وتحقيق أمنه وبلوغ طموحاته "المشروعة"، ارتكزت في ما ارتكزت عليه، على التوسع الجغرافي منذ ما قبل إعلان الكيان الإسرائيلي، عندما أقدم الصهاينة في أعقاب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، على توسيع احتلالهم باتجاه المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية وتهجير أهلها وإيجاد التواصل الجغرافي بين مختلف مناطق الاستيطان الصهيوني المشمولة الآن ضمن نطاق ما يُعرف بالخط الأخضر.. والأمر نفسه (التوسع الجغرافي) ينطبق على حرب حزيران عام 1967 التي شُنت تحت شعار "حدود آمنة".. إلى اجتياح عام 1982 وصولا إلى العاصمة اللبنانية بيروت تحت شعار "عملية سلامة الجليل".. وما رافقه من تصلب سياسي إسرائيلي في مواجهة أي مشروع سياسي تسووي وصل إلى حد تصريح موشيه ديان، تعبيرا عما كان يسود المستوى السياسي الإسرائيلي من تصورات وقناعات: "شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ".
إلا أن ما يُحفز على التوقف والتعمق طويلا هو كيف تبدلت الاستراتيجية السياسية والعسكرية لتحقيق الأهداف المشار إليها، من التوسع إلى اعتماد سياسة الانكفاء والانطواء عن أراض يعتبرها العدو من حقه، بل وتحتل حيّزا أساسياً في وجدانه وفكره الديني والسياسي، برغم حالة الضعف التي تسود العالم العربي.
ـ الواضح أنه لا حاجة للكثير من التحليل، فبنظرة سريعة إلى المسار السياسي التاريخي لحركة الصراع مع العدو وخصوصا منذ ما بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، مرورا بالـ"اندحارات" المتتالية على الساحة اللبنانية وصولاً إلى التحرير الأكبر في أيار عام 2000 وانتقال المعركة إلى داخل فلسطين وما مرت به من مراحل حتى الآن، تؤكد لنا أن وجود نقاط مضيئة محدودة في كل من لبنان وفلسطين برغم هذا الظلام الحالك الذي يعم أغلب العالم العربي، أدى إلى هذه النتيجة.. أي بعبارة أخرى، أنه بتفعيل جزء محدود من الطاقات الكامنة في الأمة جرى حرف حركة التاريخ بهذه الزاوية الحادة، وكانت من بعض نتائجه ذلك التحول الرؤيوي والسياسي الذي شهدته الحركة الصهيونية من اعتبار أن حبل نجاتها كان يتم عبر التوسع، إلى اعتباره يتحقق في هذه المرحلة عبر الانكفاء.. ما يدفع إلى التساؤل حول الأمة فيما لو فُعّل الحيز الأكبر من طاقاتها.. من دون أن يعني ذلك تجاوزا لما في المشاريع المطروحة من مخاطر وتحديات مصيرية تواجه القضية الفلسطينية، ومن ورائها الأمة بأكملها.
الانتقاد/ تحت المجهر ـ العدد 1162 ـ 19 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018