ارشيف من : 2005-2008
بعد حسم ملف الرئاسة سلباً ومطالعة نصر الله حول استراتيجية الدفاع: فريق 14 شباط أمام اختبار النقاش المسؤول
في الجلسة السابعة ترجل بند ملف رئاسة الجمهورية عن طاولة الحوار.. حُسم سلباً.. انطلقت بعدها المواقف لتكشف عن قراءتين: قراءة ترى في الحسم ولو السلبي، تسليماً نهائياً من فريق 14 شباط بأن رئيس الجمهورية باقٍ إلى نهاية عهده، وأن هذا التسليم يفترض ضمناً التعامل مع لوازمه، وهو الإقرار بشرعيته والمحافظة على موقع رئاسة الجمهورية، لأنه لا يعقل ولا يتصور البقاء على التعامل السلبي مع الرئيس لحود وكأنه مغادر غداً، في حين أن إمضاءه ضروري لشرعنة كل المراسيم والمقررات التي تستلزم توقيعه. هذا المنطق يقول باختصار شديد إن فريق 14 شباط وضع نفسه في حالة تناقض قاسية وجدية، اذ هو من جهة يسلم بشرعية إمضاء رئيس الجمهورية، ومن جهة أخرى يقول بلا شرعية انتخابه.. ان التزام الموقف الثاني إلى نهاية منطقه سيقول حتماً بلا شرعية كل ما يصدر عن رئيس الجمهورية، لأن ما يبنى على باطل فهو باطل.
من هنا فإن جماعة 14 شباط أمام معضلة حقيقية بعد تعذر حسم ملف رئاسة الجمهورية إيجاباً لمصلحتها، وهذا ما يقودنا إلى القراءة الثانية، أي قراءة فريق 14 شباط، التي وإن تقر بفشلها في إحداث تغيير لمصلحتها بالنسبة إلى ملف رئاسة الجمهورية، لكنها ترفض الانصياع للمترتبات المنطقية والموضوعية لهذا الفشل، والتي سبق الإشارة اليها، وهي بالتالي تعمل على الخروج من معضلة تناقضها العملي مع نفسها عبر تأكيد استمرارها في فتح ملف الرئاسة سياسياً ومن طرف واحد، ومن خلال الإيحاء بأنها ما زالت تنتظر أمراً ما يمكن أن يحمله اليها تقرير براميرتز المتوقع رفعه إلى مجلس الأمن في منتصف شهر حزيران القادم.
ماذا يعني هذا الموقف عملياً؟ انه يعني بالدرجة الأولى مكابرة سياسية نتيجته الأساسية إبقاء أزمة الحكم مفتوحة حتى آخر لحظة، بمعزل عن المترتبات المختلفة لاستمرار هذه الأزمة.
هذا في الوقت الذي يحتاج فيه الوضع الداخلي إلى من يلقي عن عاتقه الكثير الكثير من أعباء الضغوط التي تثقل كاهله، خصوصاً لجهة تنفيس الاحتقانات والتوترات الداخلية، ووضع البلاد على سكة تفاهمات تسمح بتقطيع المدة المتبقية لرئيس الجمهورية في أقل الأضرار الممكنة، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي.
كما أنه يعني بالدرجة الثانية أن الرهانات على احتمالات تسييس مجريات التحقيق في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تنته، وأن لعبة الاستقواء بالخارج على الداخل ما زالت متواصلة من قبل فريق 14 شباط.
لقد كان رئيس الجمهورية واضحاً في مد يده إلى هذا الفريق للتعاون في إخراج لبنان من وضعه السيىء إلى وضع أفضل، لكن لا من مجيب.. وعدم الإجابة من هذا الفريق معروفة الأبعاد والخلفيات، فهو لا يريد التسليم المطلق بفشل رهاناته، كما أنه لا يريد التسليم للحود بشرعيته والتعامل معه على هذا الأساس.
وفي مطلق الأحوال، ان حسم ملف رئاسة الجمهورية سلباً فرض الانتقال سريعاً إلى البند الأخير والمتمثل بالاستراتيجية الدفاعية عن لبنان. وهذا الانتقال يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية هي بالتأكيد أدق وأهم من ملف رئاسة الجمهورية، اذ ان هذا الملف على أهميته السياسية يبقى أمراً ظرفياً ومشروطاً بوقت خاص، أما ملف الاستراتيجية الدفاعية فهو ملف مصيري يتعلق بأمن لبنان واللبنانيين جميعاً، الأمر الذي يثير تحديات كبيرة في وجه الفريق الذي طالما رفع عقيرته في وجه سلاح المقاومة ودورها، ومثيراً في وجهها الشبهات والاتهامات المتهافتة.
أما أبرز هذه التحديات فيتمثل بالتالي:
ـ هل سيقارب فريق 14 شباط هذا الملف بمنظار المصلحة الوطنية، أم بمنظار الإملاءات والمطالب الأميركية؟
ـ هل سيضع هذا الفريق القرار 1559 وراء ظهره، أو على أقل تعديل، هل سيدعه جانباً موقتاً ليتمكن من النظر بوضوح إلى طبيعة المشكلة، والإيجابات المنطقية والموضوعية عليها؟
ـ هل سيحرر هذا الفريق نظرته ومقاربته من الهواجس والمخاوف الواهمة والموهومة والمطروحة لأغراض سياسية معروفة، بحيث يقبل على النقاش بروح المسؤولية الوطنية الجامعة، ومرتكزات الثقة المتبادلة؟
إن مطالعة سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله التي ارتكزت إلى دراسة علمية مستفيضة زاخرة بالأدلة والحجج المنطقية والموضوعية، لا تكشف فقط عن مدى الاهتمام الذي يوليه حزب الله لمسألة الاستراتيجية الدفاعية، وإنما عن رغبة حاسمة في أن يكون النقاش في هذه المسألة علمياً وموضوعياً ومسؤولاً وبعيداً عن أغراض التسييس التي من شأنها ان تهبط به إلى مستوى الحساسيات والعصبيات الطائفية والسياسية الصغيرة، وتعيد ربطه بعجلة المصالح السياسية الخارجية الأميركية حصراً. ان عرض المسألة بهذا الأسلوب هو الطريق الأقصر لجعل النقاش حولها وطنياً بامتياز، ولا يتوخى إلا المصلحة الوطنية العليا لكل اللبنانيين. لا أحد يتوقع ان تسلم جماعة 14 شباط بما طرحه سماحة الأمين العام، وليس هذا المطلوب، وإن كانت ردود فعلها الأولية مثنية وإيجابية، لكن اذا كانت هذه الجماعة تريد فعلاً نقاشاً جاداً ووطنياً لهذه المسألة، فيجب أن لا يكون تعاملها معه سياسياً.. والمقصود سياسياً هنا هو الرد بالهواجس السياسية التي لا أساس لها ولا سند على الحجج المنطقية والموضوعية التي طرحها السيد نصر الله. التسييس هنا أغراضه مقطوعة، وعندها على فريق 14 شباط ان يتحمل مسؤولية الإخفاق في التوصل إلى تفاهم حول مسألة الاستراتيجية الدفاعية.. والإخفاق هنا أخطر بكثير من الإخفاق في ملف الرئاسة، لأن الإخفاق هنا يبقى محدوداً وسياسياً ومرهوناً بظرف موقت، بينما الإخفاق هناك هو إخفاق وطني يمس أمن الوطن برمته.
وفي مطلق الأحوال، فإن فريق 14 شباط بعد مطالعة سماحة السيد نصر الله هو أمام امتحان الوطنية بامتياز: هل ينجح أم يفشل؟ الكرة في ملعبه.
مصطفى الحاج علي
الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1162 ـ 19أيار/مايو
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018