ارشيف من : 2005-2008
مخيم الموت
الانتقاد/ خلف القناع ـ العدد 1127 ـ 16 أيلول /سبتمبر 2005
قيل للمصور إن شيئاً ما حدث في منطقة صبرا.. حمل الكاميرا ومشى مسرعاً، لم يسأل ماذا حصل، توقع أمورا كثيرة، اعتقال مواطنين، قتل بعضهم، تدمير منازل، عملية للمقاومة ضد قوات الاحتلال.. أمور كثيرة خطرت في باله، لكن ما رآه فاق كل ما تخيله..
الموت كان ينتشر في كل مكان، أجساد الضحايا تشابكت ببعضها لترسم في أزقة المخيم ومحيطه شكلاً مغايراً للموت، لم يرَ ذلك المصور (يعمل في إحدى الصحف اللبنانية) أو يسمع عن مثيلٍ له.
كان ذلك مساء يوم الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر عام 1982، اجتاحت قوات العدو الصهيوني بيروت بقيادة آرييل شارون، وحوّلت شوارع العاصمة الى ما يشبه ثكنة عسكرية.
وبإشراف الإرهابي شارون شخصياً حاصرت قوات الاحتلال مخيم صبرا وشاتيلا والأحياء المحيطة به من جميع الجهات، ودخلت بجنودها وعناصر من الميليشيات اللبنانية العميلة ليلاً الى المنطقة.
كان الظلام دامساً ومخيفاً، الجميع لاذ بما يقيه قذائف العدو التي كانوا يتوقعون تساقطها على المنطقة، لكن فجأة تحول الليل الى نهار تحت اضواء الكاشفات الاسرائيلية، وبدل ان تتساقط القذائف، انتشر الجنود والعناصر العميلة كالغربان الجائعة ليبحثوا عن أي شيء يتحرك، وبعد أن أحكموا السيطرة على كل الأزقة دون مواجهة تذكر، دخلوا الى المنازل ليخرجوا من فيها الى الساحات ومساطب البيوت، وحتى دون أن تدار وجوههم الى الجدران كان الرصاص ينهمر على الأجساد فتتساقط فوق بعضها البعض، ليأتي من ثم السفاح ويقضي على من بقي فيه رمق حياة، كل شيء حي كان يموت بالرصاص أو "البلطات" الحادة.. تشفياً برجال ونساء وأطفال لاذوا بمنازلهم فزعاً من يد تعوّدت أن تقتل فقط..
ممَّ التشفي وهؤلاء الذين يصرعون لم يعرفوا حتى بما جرى خارج تلك البقعة من الأرض.
ألف وأكثر من اللبنانيين والفلسطينيين قتلوا هناك، كانوا آباء وأبناءً وزوجاتٍ اختلط دمهم مع التراب، سقوف الصفيح التي لجأوا إليها يوماً ـ هرباً من بطش العصابات الإسرائيلية او من الجوع الكامن في أطراف بلدهم ـ لم تقِهِم شرور الحقد، وأيديهم الخالية حتى من رغيف، لم تحمهم من بطش السفاحين الذين اقتحموا المنازل والملاجئ، في معركة دامية انتصر فيها الحقد الأعمى.
استطاع الجناة ان يسجلوا في التاريخ أبشع شكل من أشكال الإبادة البشرية، واستطاع أبطالها أيضاً أن يبقوا طلقاء أمام "محاكم العدل" التي لا تنتصر عادة إلا للسفاحين.
عقدان وأكثر من الزمن مرا على جريمة العصر في صبرا وشاتيلا.. الدفلى ما زالت تظلل المقبرة الجماعية، وزوارها الامميون اخترقوا جدار الصمت وقرروا ان يكونوا الى جانب الضحايا ولو مرة كل عام.
ـ انه أيلول ما بين ... صبرا وشاتيلا وجسر المطار والجبل الرفيع.. كأنه قرر ان لا يغادر الا شهيداً.
أمير قانصوه
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018