ارشيف من : 2005-2008
شارون بين مطرقة المقاومة وسندان وضعه الداخلي
تشهد الساحة الداخلية الإسرائيلية في هذه الايام حالة من الغليان السياسي والشعبي على خلفية الموقف من الانسحاب من قطاع غزة، وصل إلى حد قطع الطرقات وحصول بعض الصدامات المحدودة بين جيش العدو والمستوطنين (بالتزامن مع توترات شهدتها الساحة الفلسطينية نأمل ان تنتهي بأقل الخسائر) بالإضافة إلى تقديرات ومعلومات أمنية إسرائيلية تحذر من حدوث الأسوأ على يد جهات يمينية متطرفة على شاكلة اغتيال سياسي أو استهداف أحد المقدسات الإسلامية.
في محاولة لقراءة المحاذير المحفوفة بهذا الحدث، وما يمكن أن تتركه من تداعيات على الساحة الفلسطينية في حال تفاقمت الأوضاع أو حصول مستجدات ما، يمكن إيراد ما يلي:
المحذور الأساسي الكامن في الوضع المتوتر داخل الساحة الإسرائيلية - في حال تفاقمه - هو أن يدفع ذلك، ارييل شارون، إلى المبادرة لتوجيه ضربات عسكرية مؤلمة للفصائل الفلسطينية لمحاكاة توجهات وغرائز جماهير اليمين والمستوطنين المعارضين، للانسحاب من غزة.
في المقابل هناك إمكانية لأن تؤدي مواجهة هذه الضربات عبر الاكتفاء بتوجيه الادانات، ومن دون أن يقترن ذلك بتدفيع العدو أثماناً مرتفعة، إلى استسهال شارون اعتماد هذه السياسة لتطويق الاعتراضات الداخلية. في نفس الوقت من المقدر أن يؤدي الرد على اعتداءات العدو بعمليات جهادية مؤلمة إلى إحراج شارون ـ خاصة إن كانت في مناطق الـ48 تحديدا ـ وأن يؤدي إلى تأجيج الخلاف الاسرائيلي الداخلي، وفي هذه الحالة لن يجد شارون بداً من الرد بالصورة التي يحاول أن يبدو فيها مستبسلاً في محاربة "الإرهاب" الفلسطيني.
أمام هذا الواقع وعلى خط مواز يوجد عوامل كابحة للعدو يمكن إضافتها إلى ردود المقاومة (سواء لردعه أو للحد من اعتداءاته) تتمثل بأن ذهاب شارون بعيدا في أي تصعيد يُقدم عليه سيوقعه في المحذور الذي حرص على تجنبه طوال هذه الفترة، وهو ان لا يبدو الانسحاب وكأنه يتم تحت النار لأن التجربة، أثبتت بأن أي عملية عسكرية مهما كانت واسعة لا ولن تؤدي إلى إخماد المقاومة، وستواصل المقاومة توجيه ضرباتها، كما انه سيُحرج السلطة الفلسطينية في مطالبتها للفصائل في التزام التهدئة أو حتى نزع الأسلحة على سبيل المثال..
بناءً على ما تقدم يجد شارون نفسه مضطراً للسير على مسار دقيق بين حدين، بين مطرقة المقاومة وسندان وضعه الداخلي المتأجج. فمن جهة، عليه أن يأخذ بالاعتبار محاكاة جمهور المعارضين للانسحاب من غزة بالتشدد وتنفيذ الاعتداءات... فضلا عن عدم السماح للانسحاب بأن يتم تحت النار. ومن جهة أخرى هو مضطر إلى تجنب الوقوع في ما لا تحمد عقباه أمنياً وسياسياً مع اقتراب موعد الانسحاب من قطاع غزة إن تدحرجت التطورات العسكرية وخرجت عن القواعد التي يحاول أن يفرضها ويمليها على الفلسطينيين، بالاضافة الى حرص الاميركيين على عدم إضعاف "ابو مازن" ومنطقه في مواجهة المقاومة. كل ذلك مرتبط بعدم حصول مفاجئ امني او سياسي يُغيِّر من مسار التطورات، وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه.
وأخيراً تبقى مسألة يتم ترويجها في هذه الأيام مفادها أن الردود العسكرية ستؤدي إلى إلغاء الانسحاب من قطاع غزة، أو تأجيله إلى أمد بعيد، وفي هذا الاطار يمكن تسجيل ما يلي:
إن قرار الانسحاب من قطاع غزة لم يكن نتيجة مبادرة حسن نية من قبل كيان العدو يمن بها على الفلسطينيين، ولا نتيجة طلب او ضغوطات أميركية، وانما نتيجة وضع سياسي ـ أمني كان للمقاومة الدور الأساسي في بلورته… وبالتالي فإنه ناتج عن رؤية سياسية شاملة يحاول شارون من خلال هذا الموقف تغيير الواقع القائم، والحؤول دون تداعيات سياسية دولية ومحلية قد تؤدي في مرحلة لاحقة إلى إجبار "إسرائيل" على الانسحاب مما هو اكبر من قطاع غزة.
من هنا فإن الحديث عن أن ردود المقاومة على الاعتداءات الإسرائيلية ستؤدي إلى إلغاء القرار بالانسحاب من قطاع غزة لا يملك أي أساس واقعي، وهو محض افتراء أو ضرب خيال، ويمكن افتراض انه محاولة تأليب وتحريض الناس على المقاومة عبر إيهامهم بأنها تتبع سياسة سوف تؤدي الى القضاء على طموحاتهم وآمالهم بالتخلص من الاحتلال.
علي حيدر
الانتقاد / تحت المجهر ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018