ارشيف من : 2005-2008
حكومة السنيورة الأولى: من المخاض الصعب الى مواجهة التحديات
الولادة الصعبة لحكومة السنيورة بعد مخاض طويل دام تسعة عشر يوماً ستحمل ولا شك آثار هذه الولادة، وبالتالي ستكون في المرحلة المقبلة أمام اختبارات شتى، قد يكون اختبار التشكيل أيسرها مقارنة بها.
من نافل القول، ان هذه الولادة ما كانت لتتم لولا التضحية بالبعض وتقديم التنازلات للبعض الآخر.
والمضحى به هنا هو الجنرال عون الذي بقي خارج الحكومة بما يمثل ومن يمثل طائفياً وبرلمانياً. والذي تمّ التنازل له هو رئيس الجمهورية إميل لحود حيث أعطيت له حصة عون.
الاستخلاص الأول من هذه العملية هو أنه لا يمكن الجمع بين عون ولحود في تشكيلة الـ24 وزيراً، وإذا كان من مفاضلة بين الاثنين فهي لمصلحة لحود أكثر منها لمصلحة عون. والأسباب تكاد تكون واضحة هنا أيضاً، فلقد سبق لتيار الحريري أن عرّف عون بالخصم الذي ليس من السهل التعامل معه. ولا خصومة بدون منافسة، فعون يشكل منافساً حقيقياً لتحالف الحريري ـ جنبلاط ـ القرنة والقوات. والتنافس الفعلي هنا إنما هو في الواقع على التمثيل المسيحي، وبالتالي لا يمكن منح عون قوة التمثيل المسيحي على حساب الحلفاء الفعليين، في حين المطلوب، ربما، إضعاف عون لمصلحة هؤلاء، وخصوصاً أن الساحة المسيحية تتهيأ لاستقبال محورٍ جديد هو سمير جعجع الذي يعتبر الند التاريخي لعون.
في المقابل، يبدو التعامل مع رئيس جمهورية يعاني من صعوبات عديدة خياراً أفضل، حتى لو كان مصنفاً في خانة الخصوم أيضاً الذين سبق وأشهرت حرب إقالتهم على نحوٍ كبير.
لكن السؤال المحير الذي يطرح نفسه هنا، لماذا قبل رئيس الجمهورية بما قبل، وتنازل عن إصرار، على التمسك بضرورة تمثيل عون في الحكومة بذريعة الحرص على أن يكون في الحكومة تمثيل مسيحي فعلي، وأن يكون هناك توازن وطني داخل الحكومة انسجاماً مع روح اتفاق الطائف؟ هل إصرار عون على البقاء خارجاً هو الذي سهّل المهمة على لحود، وبالتالي على السنيورة، بحيث أفقد رئيس الجمهورية هامش المناورة، أم أن هناك أمراً آخر وراء ما جرى؟ وإذا صح هذا التساؤل، ما الذي دفع عون للإصرار على البقاء خارجاً، هل هي مجرد حسابات ربح وخسارة سياسية أفضت الى أن البقاء خارج الحكومة أفضل له من البقاء في داخلها، لأنه لا يريد أن يكون شريكاً في أي قرار سياسي يمكن أن تتخذه هذه الحكومة لا ينسجم مع تطلعاته وتوجهاته الخاصة، أو لأنه لا يرى، كما عبّر، أن عمر هذه الحكومة سيكون طويلاً، فلماذا يشارك، بالتالي، في حكومة عمرها قصير، أو أنه لا هذا ولا ذاك، إنما هي مجرد ضغوط خارجية، أملت عليه اتخاذ هكذا موقف، لتنتهي معه مناورة التأليف، ونزيف الوقت الذي بات كثيرون يتضررون منه؟
أسئلة كثيرة مشروعة، إلا أنها تلتقي في النهاية، عند نقطة أساسية هي أنه لولا إصرار عون، كما يبدو، على البقاء خارج الحكومة، وبمعزل عن الأسباب، لما كان للحكومة أن تولد على هذا النحو المفاجئ والسريع.
ومن الواضح أيضاً، وبالعودة الى مجمل التصريحات الدولية التي صدرت مؤخراً، بدءاً مما أعلنته مساعدة نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط اليزابيت ديبل، حيث دعت الى الإسراع في تأليف حكومة تحظى برضى رئيس الجمهورية، ومروراً بالمواقف الأوروبية التي دعت مؤخراً عبر بيان وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الى الإسراع أيضاً في عملية تشكيل الحكومة، بما فيها بعض المواقف العربية، فإن مجمل هذه التصريحات أكدت على كلمة السر الدولية عموماً، والأميركية تحديداً، التي ما زالت تحكم لبنان منذ مرحلة الانتخابات وحتى الآن، وهي العجلة، ثم العجلة، انطلاقاً من أن تأليف الحكومة وحده الكفيل بتحديد الجهة المسؤولة رسمياً للمطالبة بتنفيذ "الأجندة" الدولية الخاصة بلبنان.
بالاستناد الى ما تقدم، والى الصورة التي خرجت بها الحكومة، فإن هذه الحكومة ستكون أمام اختبارات قاسية عدة أبرزها:
ـ اختبار العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس الجديد، أي السنيورة، حيث السؤال المركزي الذي ينتظر الاثنين هو: هل ستكون العلاقة في ما بينهما امتداداً للعلاقة بين لحود والرئيس الراحل رفيق الحريري؟ أم أنها ستأخذ منحى جديداً، يكون بمثابة فتح لصفحة جديدة؟
لا شك، أن العلاقة ستكون مثقلة بين الاثنين، مثقلة بسوء الظن والشكوك والاتهامات، إضافة الى الفارق في الطبيعة والنظرة بين الرجلين، والفارق بين حسابات وعلاقات الاثنين.
ـ اختبار العلاقات التحالفية بين جنبلاط ـ الحريري من جهة، والقوى المسيحية المتحالفة معهما من جهة أخرى، حيث لا تبدو العلاقة هنا بسيطة ومرتاحة الى حدٍّ كبير، إذ تبقى ثمة عقدة أساسية لدى القرنة والقوات تبحث عن حل هي: كيفية الخروج من العلاقة الذيلية مع تحالف جنبلاط ـ الحريري التي تبدو شرطاً ضرورياً لعودة مريحة أكثر الى الشارع المسيحي، ولا سيما أن عون يؤكد يومياً منطقه الاستقلالي والنّدي في مواجهة هذه القوى. ومن الواضح أن حل هذه العقدة لا يمكن أن يتأتى ما لم يتم رسم مسافة واضحة ومتميزة عن تحالف جنبلاط ـ الحريري.
ـ اختبار التوصل الى تفاهم سياسي عام، يشكل الأساس الذي يجب أن تقارب فيه الاستحقاقات المتنوعة في المرحلة المقبلة، لا سيما الضغوط الدولية التي تريد إعادة صياغة لبنان موقعاً ودوراً بما يتلاءم ومصالحها، وبمعزل عن الكلفة التي يمكن أن يدفعها اللبنانيون ولبنان. إضافة الى الملفات الداخلية الصعبة والمعقدة.
ـ اختبار الوضع الآتي الذي ينذر بانهيارات أمنية معنوية تحتاج الى عمل كبير لإعادة ترميم المظلة الأمنية من فوق لبنان.
ـ اختبار العلاقة مع عون حتى ولو كان خارج الحكومة، وهذا الاختبار تكمن أهميته في كونه سيكشف سقف المعارضة المطلوبة وحدودها سواء داخلياً أم دولياً.
ـ اختبار العلاقة مع سورية، هذه العلاقة التي باتت مأزومة الى أقصى الحدود، وتعبر عن نفسها بتعابير مختلفة، وبالتالي باتت تحتاج الى عناية خاصة، تعيد تأكيد ضرورة أن تكون العلاقات بين البلدين ليس فقط مميزة وإنما ممتازة، وأن لا خيار أمام الاثنين إلا الترفع عن كل الجراح، لبناء علاقات أخوة وتضامن وتعاون حقيقية.
ولدت الحكومة، نعم. وليس أمام اللبنانيين جميعاً إلا أن يتمنوا لها النجاح، وأن تكون على قدر طموحاتهم وآمالهم، وبالتالي على قدر المسؤولية، إلا أن هذا لا يعني أن مسارها سيكون سهلاً، بل مليئاً بالألغام والافخاخ المنصوبة دولياً والمحروسة من قبل البعض داخلياً، وهذا يقتضي من الجميع التكاتف والتوحد لاجتياز ما هو قادم بأقل الخسائر الممكنة، وبحيث يخرج لبنان واللبنانيون من هذا الاختبار العام وهم أقوى وأفضل حالاً.
مصطفى الحاج علي
الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018