ارشيف من : 2005-2008
حساب الخاسر والرابح
الانتقاد / خلف القناع ـ العدد 1120 ـ 29 تموز/ يوليو 2005
كان ذلك الرجل ذو الشيبة السبيعينية يخرج انفاسه الاخيرة بينما كانت زوجته وابنته وآخرون من افراد اسرته في غرفة مجاورة يتلقّون الاسعافات في مستشفى جب جنين في البقاع الغربي..
هذه الاسرة صفّى العدو حسابه معها، فهدم منزلها فوق رؤوس افرادها في بلدة زلايا بصواريخ أطلقتها طائراته الحربية.
حساب طويل وكيد عمره سنوات، وقلب تفجر حقداً وكراهية انصبّ في لحظة فوق رؤوس الابرياء في حرب "تصفية الحساب" التي حصدت اكثر من مئة شهيد من المدنيين، بدءاً من بلدات البقاع الغربي الى الجنوب والشمال، وقد دمرت احياء بأكملها في بلدات جباع، كفرملكي، النبطية، زوطر، جبشيت، كفرصير، حداثا، كفرا وياطر.. بصواريخ فراغية كانت تخترق جدران المبنى فيتهاوى في ثوان.
انه عدوان (25ـ 31) تموز/ يوليو عام 93، لمن لا يتذكره، سبعة أيام أرادها رئيس حكومة العدو المقبور اسحاق رابين تصفية للحساب مع المقاومة وشعبها الحاضن لها، لا بل ذهب ابعد من ذلك الى حد تصفية المقاومة واجتثاثها، فوضع لها ثلاث مراحل: "ضرب اهداف للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ضرب مواقع المقاومة، استهداف المدنيين لدفعهم الى النزوح".
ولكن حساب رابين ورئيس اركانه ايهودا باراك لم يتوافق مع حساب المقاومة التي راجعت دفاترها جيداً وعرفت اين يمكن للعدو ان يخسر، وبالمثل أخرجت منصات صواريخها الى الحقول والبساتين والوديان، وأطلقت العنان لها لتنصب زخات ورشقات ومجموعات، وأحيانا فرادى، على مستوطنات الشمال الفلسطيني، ومن هناك كان الهروب الكبير للمستوطنين الى الداخل الفلسطيني المحتل، ليجد قادة العدو انفسهم محاصرين بصرخات المستوطنين الرافضين للموت بصواعق صواريخ الكاتيوشا، ذلك البطل الذي هدر ورعد في السماء، وعندما كان يهبط كان يزعق مزلزلاً الارض قبل ان يهوي اليها.
"صواريخهم ستنتهي، إما نقضي عليها في مخازنها، او على من يطلقها، او تنفد الكمية".. حساب خاسر آخر، فالصواريخ بقيت في السماء تزغرد حتى اليوم الاخير، لا بل حتى الضربة الاخيرة في توازن الرعب الذي من حروفه خرج تفاهم تموز ليرسم للعدوان حدوداً وللمدنيين ساتراً يقيهم بطش العدو.
حين قرر رابين انهاء "تصفية الحساب" لم يضع ايضاً في حسابه ان للمقاومة حساباً تصفيه معه.. حتى كان يوم 19 آب/ أغسطس أي بعد نحو أسبوعين من انتهاء الحرب، وفي حرب قصيرة للغاية.. مزقت عبوة ناسفة زرعتها المقاومة الاسلامية في شيحين اكثر من عشرة جنود صهاينة، وألحقتها بأخرى بعد ساعات قليلة، حتى اضطر رابين للقول "لقد تغلّب علينا حزب الله"، وهو القول الذي ظل يلاحقه حتى مقتله.
تلك المرأة التي نجت من عدوان تموز في بلدة زلايا التقيتها قبل سنوات في منزلها فأشارت لي ان زوجها الذي رأيناه جريحاً قد استشهد، وفيما بعد ابنها وصهرها.. وما زالت ترفع راية المقاومة الصفراء فوق دارها، سلاحاً تتحدى به كل قوة العدوان.
أمير قانصوه
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018