ارشيف من : 2005-2008
حكومة السنيورة : بيان واعد.. وتحديات صعبة
الانتقاد / حدث في مقالة ـ العدد 1120 ـ 29 تموز/يوليو 2005
لم يعد أمام حكومة الرئيس السنيورة بعد التوافق على الديباجة النهائية للبيان الوزاري إلا نيل الثقة، وهي مسألة متوقعة وبنسبة كبيرة.
الولادة السهلة نسبياً للبيان الوزاري هي إحدى ثمرات الولادة الصعبة للحكومة نفسها، اذ أن الوقت الذي استهلكته عملية التأليف لم يكن بفعل الخلاف على الأسماء وتوزيع الحقائب فحسب، وانما كان بفعل الخلاف على السياسات أيضاً، بل يمكن القول أكثر من ذلك، فالخلاف على الأسماء وتوزيع الحقائب كان التعبير المباشر عن الخلاف على السياسات، وهو خلاف لا يقف عند حدود الأطراف والقوى المحلية، وانما يتجاوزه الى الكباش الذي يدور في لبنان وحوله من قبل القوى والأطراف الدولية والاقليمية المعنية اليوم مباشرة بالأوضاع اللبنانية.
من هنا، فإن الصياغة النهائية للبيان الوزاري، الذي ستنال الحكومة الثقة على أساسه، يعكس بالفعل حدود التوازنات والمعادلات التي ستحكم لبنان على الأقل خلال عمر حكومة السنيورة، وبالتالي تحدد طبيعة المرحلة المقبلة، وهي مرحلة انتقالية بكل ما في الكلمة من معنى، ومن طبيعة كل مرحلة انتقالية ان تجمع في داخلها بين ما هو ماضٍ وما هو آتٍ أو مستقبلي، وصولاً الى اللحظة التي تستنفد فيها حالة السيولة التي يعيشها الوضع اللبناني امكاناتها، وهي لحظة التوازن القصوى التي لا يمكن أن تكون خارج سياق التوافق العام الداخلي على الثوابت والمتغيرات المطلوبة. ان الإطار السياسي العام للبيان الوزاري هو ذاته الإطار السياسي للحكومة نفسها، هذا الاطار لا يزال في مرحلة اضطراب قصوى بحلقاته الدولية والاقليمية، ومرحلة حراك داخلي باتجاه اعادة بناء المكونات الأساسية للقوى التي يراد لها ان يتشكل منها المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، والتوازنات النسبية التي يراد لها ان تنحكم لها.
بناءً على ما تقدم، يمكن ملاحظة التالي بالنسبة للبيان الوزاري:
اللغة التوافقية والتوازنية التير حكمت مجمل صفحاته الـ36 هي وليدة اقرار بطبيعة التوازنات التي تحكم الاجتماع السياسي اللبناني بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وهي توازنات لا يمكن أن تنهض بأي شكل من الأشكال لمنطق الأكثرية والأقلية، وخصوصاً أن الناظم العام للاجتماع السياسي ـ اللبناني هو الناظم الطائفي، الذي يشكل أهم معوق رئيسي لقيام حالة دولة فصلية، وحالة ديموقراطية فعلية، تنهض على علاقة مباشرة بين الدولة والرأي العام، ومن دون الحاجة الى وسيط طائفي.
أيضاً هذه التوافقية والتوازنية هي وليدة اقرار متبادل بالطبيعة المرحلية والانتقالية التي يمر بها الوضع اللبناني، والتي لا يمكن تجاوزها بأقل أضرار ممكنة من دون توافقات الحد الأدنى على الأقل، وهي توافقات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أولويات المرحلة وضروراتها، وتشخيص الأخطار المحدقة التي يجب منحها الأولوية.
كان طبيعياً، أن يأتي البيان الوزاري مفعماً بالوعود والتمنيات والآمال، ذلك أن هناك واقعاً عاماً في لبنان يعيش احباطات مزمنة، لا سيما على صعيد الشباب، في ما يخص تطلعاتهم وآمالهم. ولا أحد يستطيع ان يقفز بعد اليوم فوق حسابات هؤلاء الذين برهنوا طيلة المرحلة الماضية انهم الوقود الأساسي لأي حراك سياسي فعلي وتغييري. فالمطلوب اذاً محاكاة هؤلاء جميعاً، وصولاً الى إحداث صدمة أمل تحتاجه أي عملية نهوض جديدة بالأوضاع، كما أن هذه الآمال ترسم في الحقيقة ما ينبغي ان تكون عليه الأمور، اي تحدد المثالات السياسية التي من شأنها ان تضبط بوصلة حركة الحكومة وأعمالها على أكثر من جهة. من هنا، من حق الرأي العام اللبناني غداً ان يحاسب الحكومة ليس فقط على ما هو قائم، وانما على ما انجزته على الطريق نحو هذه الآمال، التي تبقى آمالاً كبرى.
الانتصار الذي سجله منطق المقاومة في البيان الوزارة ليس بالقليل، بل هو انتصار كبير جداً. والكلام عن انتصار هنا له ما يبرره للاعتبارات التالية:
أ - ان هناك معركة دولية قاسية يخوضها التحالف الاميركي ـ الاسرائيلي، وبقبول من أطراف لبنانية منها من يعمل في الخارج، ومنها من يعمل في الداخل، وذلك منذ صدور القرار 1559، لشطب المقاومة من معادلة القوة للبنان، وما زالت جهود هؤلاء مستمرة، ومن غير المتوقع أن تتوقف.
ب ـ خروج المقاومة من الانتخابات النيابية منتصرة لا بوصفها تملك تمثيلاً نيابياً كبيراً فحسب، وانما بوصفها قوة تمثيل شعبي واسع، ولها دخالتها في التأثير على العديد من التوازنات السياسية في لبنان في مطلق الأحوال، هذه الاعتبارات وغيرها مكنت منطق المقاومة من الاستمرار، ما ساعد بدوره على انتاج توافق داخلي عام، هو بالتأكيد لمصلحة اللبنانيين جميعاً في هذه المرحلة.
العودة الى لغة المنطق والعقل والمصلحة أيضاً في التعاطي مع الشقيقة سوريا بعد طول استخدام لمنطق ولغة وسلوكيات لا يستطيع أحد أن يضعها خارج النزعة الشوفينية لبعض اللبنانيين، وخارج المنطق الثأري ومنطق التشفي لدى البعض الآخر.
فالبيان استطاع ان يعيد ضبط الأمور والعلاقات اللبنانية ـ السورية في اطارها الاخوي من جهة، والجغرافي ـ السياسي والاستراتيجي من جهة أخرى، وهذا هو الأهم، لأن ذلك بالفعل هو لمصلحة البلدين.
في مطلق الأحوال، ان حكومة البيان الوزاري المؤلف من 36 صفحة أمامها الكثير الكثير من الأعمال وبذل الجهود والعرق، لكن المهمة الأصعب التي تبقى أمامها تتمثل في قدرتها على الصمود أمام الضغوط الدولية التي ليس من المتوقع ان تتوقف، بل أن تأخذ مظاهر وأشكال مختلفة، وصولاً الى انجاز المطالب الاميركية ـ الاسرائيلية في لبنان. الصمود هنا ممكن بقوة التفاهم اللبناني ـ اللبناني على الأقل بين قواه الرئيسية الحية، وبقوة العبر التاريخية بأن القوى الكبرى لم ترد للبنان يوماً خيراً، بل ما قدمته له الحروب والحروب.
مصطفى الحاج علي
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018