ارشيف من : 2005-2008
بري مجدداً رئيساً للمجلس النيابي :الدلالات .. والأبعاد
الانتقاد/ العدد 1116 ـ 1ـ تموز/يوليو 2005
انتخاب الرئيس بري مرّة جديدة رئيساً للمجلس النيابي حمل هذه المرّة جملة دلالات أساسيّة، أهمها:
ـ أنه الإنتخاب الأول الذي يتم بعد الإنسحاب السوري من لبنان، وبعد صدور القرار 1559 الذي وضع لبنان تحت وصاية دولية، يتولى التفاهم الأميركي ـ الفرنسي إدارة تفصيلاتها اللبنانيّة مباشرة من خلال السفيرين الأميركي والفرنسي في لبنان، وبعد اجراء انتخابات نيابية بإشراف دولي مباشر، أفضت الى توازنات جديدة في المجلس النيابي هي لمصلحة من كانت تعنون تحركاتها تحت عنوان المعارضة، وفي ظل مناخ من الانقسام الطائفي أعاد رفع المتاريس الطائفية النفسية في أكثر من منطقة لبنانية، وهي متاريس لن يكون التعامل معها سهلاً في المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن هناك رعاية اميركية لها، هذه الرعاية التي تتصل اتصالاً مباشراً بالخطة الاميركية الهادفة الى تفكيك المنطقة وبناها الاجتماعية، الى روابطها وولاءاتها الأولية من مذهبية وطائفية ودينية وإتنية، ومن ثم اعادة صياغة الكيانات السياسية انطلاقاً من هذه الانتماءات الأولية، في شكل من أشكال "الفدرلة" التي صورتها الخارجية صورة توحيدية، بينما باطنها انقسامي وتفتيتي وصراعي، وذلك لمصلحة الكيان الاسرائيلي، والعراق اليوم يشكل مختبراً فعلياً لهذه الخطة.
ـ ان هذا الانتخاب جاء معاكساً تماماً للرغبة الاميركية ـ الفرنسية بأن لا يكون الرئيس بري مجدداً رئيساً للمجلس النيابي، كما جاء معاكساً تماماً لرغبة أطراف وقوى لبنانية تماشي الرغبة الاميركية ـ الفرنسية أو تلتقي معها، وبذريعة مراوغة هي ضرورة تأسيس مرحلة جديدة في لبنان، وبالتالي ضرورة احداث انقلاب سياسي شامل لا يقف عند حدود امتلاك اكثرية عددية في المجلس النيابي، وانما يتجاوزها لإحداث تغييرات اساسية في مواقع السلطة الأساسية: رئاسة المجلس النيابي، رئاسة الحكومة، ورئاسة الجمهورية.
ـ ان هذا الانتخاب جاء كثمرة مباشرة للتحالف القائم بين حزب الله وحركة أمل، هذا التحالف الذي لم تقف نتائجه عند حدود المسألة الانتخابية، على أهميتها، وانما تجاوزتها الى مسألة تأكيد ان هذا التحالف ما زال يشكل مركز ثقل التمثيل الشعبي والسياسي على المستوى الشيعي، ما أطاح بقراءات/ تمنيات العديد من الأطراف الداخلية والخارجية التي راهنت على ان الانتخابات النيابية ستكون فرصة لتظهير قوى شيعية جديدة، وأن القوى الحالية ستتراجع كثيراً الى الحد الذي يسهل محاصرتها وفرض ما يجب فرضه عليها.
مجمل هذه الاعتبارات أفرزت بدورها جملة نتائج أبرزها:
ـ التأكيد أن التوازنات في لبنان تبقى توازنات طائفية أولاً وأخيراً، قبل أن تكون توازنات عددية. بل أكثر من ذلك، ان التركيبة الطائفية التي ما زالت تحكم الاجماع السياسي ببعديه الاجتماعي والسياسي معاً، تحول دون ترجمة أي تفوق عددي مهما كانت طبيعته الى تفوق سياسي، لأن أي ترجمة من هذا النوع ستكون ضمناً بمثابة إقصاء للطائفة المستهدفة، واعلان حرب عليها، وهذا من شأنه ان يعيد تفجير الاستقرار الداخلي الهشّ بطبيعته، ولا يحتمل أي ضغوط صعبة، سواء أتت من الداخل أم من الخارج، فكيف اذا التقى الاثنان، من هنا، لا خيار للبنان واللبنانيين في ظل مثل هكذا أوضاع، الا التوافق والتفاهم العام.
ـ ان انتخاب الرئيس بري هو في أحد وجوهه مرحلة للانقلاب السياسي الشامل الذي كان يخطط للبنان، لأن نتائج هذه "الفرملة" لن تقف عند موقع الرئاسة الثانية، بل تشمل أيضاً موقع الرئاسة الأولى، التي لن يكون سهلاً التصويب عليها لإحداث تغيير فيها لاعتبارات طائفية، ولاعتبارات تمس توازنات الصورة الطائفية على الصعيد الرمزي، اضافة الى قوة الاعتبار الخاصة بالحصانة الدستورية لرئاسة الجمهورية.
ـ ان ما حدث هو صفعة بكل ما في الكلمة من معنى للرغبة الاميركية ـ الفرنسية، مهما حاولت هذه الرغبة ان تعوّض ما أصابها من خلال تظهير ان تمرير انتخاب الرئيس بري لم يأت هكذا وبسهولة، وإنما جاء مشروطاً بجملة تعهدات، فهذا التظهير ليس أكثر من مخرج لتبرير القبول بأمر واقع بدا خارج الحسابات والتوقعات لتعقيدات الوضع اللبناني الذي يبقى غنياً بمفاجآته.
وفي مطلق الأحوال، استحقاق الرئاسة الثانية بات وراءنا، واستحقاق الرئاسة الثالثة في الطريق، وقراءة هذا الاستحقاق أمر آخر.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018