ارشيف من : 2005-2008

آفاق حزب شارون "كديما"

آفاق حزب شارون "كديما"

الانتقاد/ تحت المجهر ـ العدد 1140ـ 16/12/2005‏

تواترت التعليقات والمقالات الإسرائيلية التي تحاول استشراف مستقبل حزب شارون، "كديما"، التي اتسمت في غالبيتها بالتفاؤل - الذي قد يكون مفرطا أحياناً - في نظرتها إلى مستقبل هذا الحزب... إلى حد أن استطلاعات الرأي قدرت ان ينال حزب "كديما" ما يقرب من 40 عضو كنيست...‏

في هذا السياق لا بد من تسجيل بعض الملاحظات ذات الصلة والتأثير بقرار الناخب الإسرائيلي والتي بدورها قد تحدد نتائج الانتخابات العامة المقبلة:‏

- لم يأت شارون ليتصدر محاولة تشكيل حزب وسطي بديل عن كل من الليكود والعمل من موقع التنظير المجرد أو من وراء حجب محاولا تعريف الجمهور بشخصه وبما يتمتع من مزايا تؤهله لحكم البلاد. بل أتى من موقع الحكم، وتحديدا من موقع رئاسته وبعد ان خبره الجمهور وخبر اساليبه ومواقفه... لذا قد لا يكون هناك حاجة إلى التركيز على استعراض برنامجه السياسي والاهداف التي يسعى إليها ومدى جديته في السعي إلى تحقيقها.‏

- استكمالا لما تقدم فقد سبق لشارون أيضا أن اظهر مدى جرأته وحزمه في إخلاء مستوطنات عندما يرى من مصلحة "إسرائيل" الإقدام على ذلك حتى لو كانت خطوة محفوفة بمخاطر الاصطدام بالتيارات الدينية والايديولوجية الصهيونية المتطرفة. فضلا عن اظهاره لمدى عزمه وحزمه في استخدام القوة العسكرية في مواجهة الفلسطينيين إلى حد البطش والاجرام. ولهاتين الصفتين اهمية استثنائية بالنسبة إلى الجمهور، الذي ينظر إليه على انه شخصية مستعدة لتقديم "تنازلات" للوصول إلى تسوية سياسية ما بين السلطة والكيان الإسرائيلي وفي نفس الوقت لا يهادن ولا يساوم فيما يمس أمن "إسرائيل"، وهو ذروة ما يطمح إليه الجمهور اليهودي في "إسرائيل".‏

- أيضا على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها "إسرائيل" وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وهو ما يفترض ان ينعكس تجاوبا مع طروحات عمير بيرتس الاشتراكي الديمقراطي، وبالتالي زيادة في مقاعد حزب العمل على حساب حزبي كديما والليكود، إلا أن الظروف السياسية الحالية، والهاجس الأمني، ما زالت تفرض نفسها على الرأي العام الإسرائيلي برغم حالة التهدئة القائمة!!. هذه الظروف السياسية والأمنية من الطبيعي أن تنعكس إيجابيا لمصلحةأريئيل شارون فضلا عن إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية في المرحلة المقبلة خاصة بعد انتهاء التهدئة في رأس السنة،والتي على ما يبدو حتى الآن ان بعض الفصائل كحركة الجهاد الإسلامي قد تكون غير مستعدة لتجديدها، وفي اقل الأحوال ستكون اكثر تشددا في التأكيد على التبادلية خلالها.‏

- إلى جانب ما تقدم هناك ظروف سياسية سلبية محيطة بمنافسي حزب شارون، العمل والليكود، الذي اصبح يعتبر بعد انشقاقه عنه اقرب إلى معسكر اليمين المتطرف ـ وستتعزز هذه الصورة اكثر في حال فوز بنيامين نتنياهو برئاسة الحزب ـ وهو ما قد ينعكس مباشرة على الجمهور الذي تفضل غالبيته وسم نفسها بالوسطية أو وسط ـ اليمين.‏

إلى جانب ذلك هناك حزب العمل الذي تترأسه في هذه الأحيان شخصية يسارية يشكل خيارها السياسي امتداداً لفترة ما قبل قمة كامب ديفيد عام 2000، وهي فترة الرهان على إمكانية التوصل إلى تسوية شاملة التي أصيبت بنكسة تاريخية زرعت في نفوس الجمهور الصهيوني مقولة ان الطرف الفلسطيني غير ناضج لتسوية من هذا النوع، خاصة خلال فترة انتفاضة الأقصى. هذه الظروف المحيطة بكل من هذين الطرفين تعتبر مؤشرات ايجابية لمصلحة حزب شارون.‏

لكن هذه العوامل الإيجابية السالفة الذكر والتي تصب في مصلحة المقدرين بأن حزب شارون سيتصدر الساحة السياسية خلال المرحلة المقبلة لا تعني عدم وجود مؤشرات أو إمكانية لمسارات سياسية واجتماعية تنعكس بصورة أخرى على فرص شارون وحزبه، وخاصة أننا نتحدث عن ساحة سياسية متغيرة - إلى حد السيلان في بعض الأحيان - كونها ساحة مفتوحة على التأثر بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية التي عادة ما تتسارع وتتزاحم قُبيل وخلال فترة الانتخابات. أضف إلى ذلك أن حزب شارون يفتقد إلى القدرات التنظيمية التي من المفترض ان تُستخدم في عملية توجيه وتحفيز الجمهور للتصويت لمصلحته، وهو أمر شرط أو عنصر قد يكون له اهمية متقدمة وربما حاسمة في بعض الاحيان، هذا بالاضافة إلى التجارب غير المشجعة لمحاولات تشكيل احزاب وسط بديلة عن الليكود والعمل طوال التاريخ الحزبي والسياسي الإسرائيلي التي باءت كلها بالفشل.‏

فهل ينجح شارون حيث فشل كل الآخرين؟‏

علي حيدر‏

2006-10-30