ارشيف من : 2005-2008

جماعة 14 شباط تتكتل في مواجهة القضايا المطلبية والإصلاحية تعددت العناوين والمعركة واحدة

جماعة 14 شباط تتكتل في مواجهة القضايا المطلبية والإصلاحية تعددت العناوين والمعركة واحدة

هل بتنا أمام مرحلة سياسية جديدة في لبنان، أم أن ما يجري لا يعدو كونه أكثر من عاصفة في فنجان، أو مجرد غيمة صيف عابرة، وبالتالي سرعان ما ستعود الأمور إلى مواقعها الأولى؟‏

بكلمة أوضح أو تساؤل أوضح، هل نحن في مواجهة هز للاستاتيكو القائم بما يقود لاحقاً إلى الإطاحة به، أم في مواجهة اختيار جديد لتوازنات القوى، وبالتالي اعادة تموضع لمختلف الأطراف، بما يؤدي إلى استشراف الخطوات الآنفة؟ وهل ما يجري هو مجرد حراك داخلي وتبادل رسائل داخلية، أم أن مدى الحراك والرسائل أبعد من ذلك بكثير؟‏

هذه الأسئلة وسواها تبدو أكثر من مبررة في ضوء التطورات المتسارعة داخلياً وخارجياً منذ مدة، وفي ضوء ما آلت اليه المواقف المختلفة للأفرقاء المختلفين أصلاً، أو الحريصين أيضاً على تقاطعات مميزة، وتباينات مميزة أيضاً.‏

مما لا يخفى على لبيب، أن المشروع الأميركي في لبنان وبالتالي الخيار السياسي الأميركي في لبنان وله، والموجزة بنوده واستهدافاته في القرار 1559، والمتبنى بالكامل من جماعة أطراف 14 شباط، بدأ يواجه منذ مدة صعوبات وعقبات عدة، منها ما هو متصل بوضعية والده الشرعي، أي الأميركي في المنطقة، ومنها ما هو متصل بوضعية حلفاء هذا الأميركي في لبنان، أي جماعة 14 شباط.. فمن نافل القول ان هذه الجماعة تتخبط منذ مدة في دوامة من الفشل والنكسات والإحباطات، سواء لاعتبارات تتصل بعجزها عن إنجاز أي هدف سياسي ذي مغزى على الصعيد الداخلي، تكمل من خلاله عملية الانقلاب السياسي الأميركي على صعيد السلطة، خصوصاً بعد فشلها في حسم ملف رئاسة الجمهورية لمصلحتها، أو لما يتصل بتضعضع علاقاتها البينية على وقع التمايزات وتضارب المصالح بين أركانها، الذي انعكس تماماً في الموقف من اسم رئيس الجمهورية المقبل، وفي الغمز السلبي من قناة تيار المستقبل الذي صدر بوضوح عن لقاء الأرز القواتي، ومن منزل حليفه المسيحي الأبرز سمير جعجع، حيث جرى تسليط الضوء على عملية الاستئثار الطائفي بالسلطة الذي يديره تيار المستقبل، في مدخل الإشارة الى فقدان التوازن المسيحي فيها، وهذا ما سارع الى توكيده لاحقاً بيان المطارنة، ما اقتضى استنفاراً للعصبية الطائفية من قبل تيار المستقبل في وجه الاستنفار المسيحي عموماً.‏

وأكثر من ذلك، فإن هذه الجماعة أخذت تمعن في إرسال الرسائل الخاطئة باتجاه أكثر من عنوان، وذلك بدءاً من رسائل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في واشنطن وسعيه المحموم لتحويل مجلس الأمن الى منصة لشن الحرب على سوريا، مروراً بوليد جنبلاط ولقائه مع وفد الإخوان، وبالتالي تحويل لبنان الى منصة للهجوم على سوريا والمس بوضع النظام فيها. هذه الخطايا السياسية بدت كأنها محاولات للهروب الى الأمام ولو بالمعنى السياسي، وتعبير خطير عما آلت اليه أوضاعها.. وهي بدلاً من أن تعمل على نزع الألغام من طريق العلاقات اللبنانية ـ السورية، إذ بها تضع ألغاماً أشد خطورة على هذه الطريق. فلعبة الاستقواء بالخارج على الشقيق من قبل هذه القوى لم تتوقف، وبدلاً من أن تختصر المسافة، إذ بها تعمل على إطالتها.. هذا في الوقت الذي كان ـ من جهته ـ الرئيس بري يعمل على فتح قنوات التواصل مجدداً، معلناً بعد عودته من دمشق أن أبوابها مفتوحة للجميع، حتى للرئيس السنيورة. إلا أن المفاجأة مرة أخرى جاءت من ثلاثة مداخل:‏

ـ عودة الرئيس السنيورة مجدداً لتأكيد اتهام سوريا بأنها سبق أن هددت الرئيس الحريري، وذلك ليلة سفره الى لندن.‏

ـ إعادة ربط وليد جنبلاط مسألة العلاقات اللبنانية ـ السورية بمسألة التحقيق، بعدما جرى التفاهم على الفصل بينهما.‏

ـ الهجوم الخطير الذي شنه النائب سعد الحريري على حزب الله والتيار الوطني الحر، واتهامه لهما ولدمشق بالعمل على خراب البلد.‏

هذه المواقف السلبية أعادت مجدداً الأمور الى نقطة الصفر، ولم تكن مفهومة من كثيرين.. إلا أن ما حدث لاحقاً في ضوء تحديد الموقف من التظاهرة المطلبية ساعد على فهم ما وراء الأكمة.‏

فهذه المواقف السلبية لا يمكن عزلها عن محاولة جماعة 14 شباط استعادة زمام الأمور، انطلاقاً من استعادة حقيقية لخطابها ومواقفها السياسية من كل ما يجري في لبنان، ومن ثم إعادة تأكيد موقعها على خريطة المشروع الأميركي في لبنان، بعدما بدا أنها قد خسرت كل رهاناتها الداخلية وحتى الدولية أيضاً.‏

ان حرص هذه الجماعة على تسييس الحركة المطلبية برغم تأكيد كل المؤيدين لها أن شعاراتها لن تكون إلا مطلبية، يؤكد نية هؤلاء الالتفاف على هذه المطالب من المدخل السياسي، لعجزهم عن مواجهتها مباشرة من جهة، ولرغبتهم في إحداث فرز سياسي حاسم يحررها من أي تفاهمات مسبقة سبق أن عدّتها ليست في مصلحتها، وبالتالي إعادة الأمور مجدداً الى نقطة الصفر بما يرسخ انقسامات الوضع القائم، ويقطع الطريق على أي تغيير باتجاه نقل لبنان من الوضع الرمادي الذي هو عليه الى وضع أكثر جلاءً ووضوحاً.‏

ان السلوك السياسي المتوتر والشرس الذي تقوده جماعة 14 شباط بقدر ما يعكس ضعفها، فهو يعكس محاولة منها لتأبيد الوضع القائم، وللتغطية على المشروع الاقتصادي ـ المالي الذي تعهدت الوفاء بالتزاماته وشروطه الأميركية بنيران سياسية وإعلامية، واتهامات متهافتة.‏

ان الجميع يعرف ان الورقة الإصلاحية الاقتصادية والمالية ليست إلا البنية المادية للمشروع السياسي الانقلابي الأميركي في لبنان لمصلحة الطبقة المالية والاقتصادية المتخمة في لبنان، والتي سبق أن التهمت كل خيارات البلد.‏

من هنا يبدو الكباش الحالي متجهاً نحو المزيد من السخونة، وخصوصاً ان جماعة 14 شباط تخوضه كأنه آخر معاركها: إما السقوط وإما البقاء.. في حين كان بإمكانها ان تأخذ طريقاً وسطاً.‏

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1161 ـ 12 أيار/مايو 2006‏

2006-10-30