ارشيف من : 2005-2008
أيهما أكثر انقيادا للآخر: آرييل شارون أم جورج بوش
الانتقاد/ تحت المجهر ـ العدد 1141 / 23 كانون الاول/ ديسمبر 2005
نقل المعلق الأمني في صحيفة "هآرتس" أمير أورن (20/12/2005)، أن "الأميركيين الذين يتذكرون الشجارات مع شارون إبان حرب لبنان فوجئوا خلال السنوات الأربع الأخيرة باكتشاف رئيس وزراء مريح ومطواع"، وبأن "السفير الأميركي السابق في تل أبيب قال في الآونة الأخيرة إنه لا يذكر رئيس وزراء إسرائيليا من فترة ريغن حتى بوش، بمثل هذه الدرجة المتدنية من التأثير في البيت الأبيض".
ما نقلته "هآرتس" يستوجب التوقف عنده لاستشراف دقته ومطابقته للواقع، فضلا عن بعض الملاحظات الواجب تسجيلها في هذا الإطار:
ـ حتى لا يُؤول كلامنا بالاتجاه الذي لا نقصده، لا بد من تأكيد حقيقة أن ما تقدم ذكره لا ينبغي أن يُفهم منه أن رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين لشارون كانوا معارضين للسياسة الأميركية في المنطقة، خاصة أننا نتحدث عن علاقة بين دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية، ودولة "الكيان الإسرائيلي" التي تدين لها بالحفاظ على تفوقها العسكري النوعي والكمي على دول عربية مواجهة لها، عبر الدعم المادي والعسكري وتأمين الغطاء السياسي لها في المحافل الدولية، وهو ما ينعكس بالضرورة على أداء الحكومة الإسرائيلية وسياستها الخارجية.. وبالتالي من الطبيعي أن لا يكون الكيان الإسرائيلي قد أقدم على خطوات سياسية أو أمنية ظاهرة تمسّ أو تضرّ بثوابت الاستراتيجية الأميركية ـ مع وجود بعض الحالات الإشكالية التي حُلت وجرى تجاوزها ـ لكن تحت هذا السقف يملك كل رئيس وزراء إسرائيلي هامشا من الحرية والتحرك، وفي هذا الإطار قد نجد رئيس وزراء مشاكساً أو مصراً على بعض المواقف مستندا على دعم جهات أميركية داخلية، أو من جراء الهامش الممنوح لـ"إسرائيل" من قبل الولايات المتحدة، وآخر أكثر سرعة في تلبية المطالب. وربما الجدير الإشارة إلى ما أدلى به أورن نفسه في هذا الخصوص: "الاستقلالية الإسرائيلية الظاهرية تشبه استقلالية المحمية الهندية في أميركا القديمة: بعض الحرية في إدارة شؤونها الذاتية حتى حدود المحمية".
ـ برغم ذلك، هل ما قاله أو نقله أورن عن مطواعية شارون للرئيس الأميركي يعبر عن حقيقة الواقع بالصيغة الواردة؟ الواضح ان دقة هذا الكلام تتضح عبر عرض وجيز للخطوات السياسية والأمنية التي أقدم عليها شارون خلال ولايته الأولى والثانية والموقف الأميركي منها:
لا شك في ان الجميع يتذكر عملية "السور الواقي" في نيسان 2002، التي اجتاح الجيش الإسرائيلي خلالها مدن شمال الضفة الغربية، وعمليات التدمير الواسعة التي نفذها الجيش في مخيم جنين.. ثم تواصل عمليات اقتحام المدن والقرى الفلسطينية وشن حملات اعتقالات واسعة واعتماد سياسة التصفيات والتنكيل بالفلسطينيين المدنيين.. حتى أضحى هذا الأمر حدثاً روتينيا في وسائل الإعلام الدولية. وفي المقابل لم نلحظ أي اعتراض أميركي جدي على هذه الحملات، بل كانت الإدارة الأميركية تحاول ـ على الدوام ـ تبرير هذه الحملات باعتبارها رداً على الهجمات "الإرهابية" التي تواجهها "إسرائيل".. وفي أحسن الأحوال يُطلب من "إسرائيل" أن تراعي في ردودها مبدأ التناسب بين الفعل ورد الفعل!..
أما في ما يتعلق بالمسار السياسي على الساحة الفلسطينية، فقد تبنى الرئيس الأميركي جورج بوش الشروط الإسرائيلية بتفكيك البنى التحتية لفصائل المقاومة، قبل البدء بأي مفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وضُمنت في المرحلة الأولى ما يُسمى بخارطة الطريق.. وغيرها الكثير الكثير من المواقف المرتبطة بأحداث موضعية هنا وهناك مرت خلال السنوات الأربع الماضية.
بعد كل ذلك أليس من حقنا التساؤل عمن هو أكثر انقيادا وطواعية للآخر، آرييل شارون أم جورج بوش؟! وإن كان السفير الأميركي لم يذكر رئيس وزراء إسرائيليا منذ عهد ريغان حتى بوش الابن كشارون، في علاقته بالإدارة الأميركية، نقول إننا في المقابل لا نذكر رئيساً أميركياً كان منسجما وملبياً لأقصى تطلعات "إسرائيل" في فلسطين والمنطقة كالرئيس الأميركي جورج بوش، بحيث لم يترك مجالا لشارون كي يعترض أو يحتج أو يشعر بحرج تجاه أي مسألة من المسائل.
علي حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018