ارشيف من : 2005-2008

مقالات//اتفاق حزب الله ـ أمل ـ الحريري: إسقاطه لخدمة من؟

مقالات//اتفاق حزب الله ـ أمل ـ الحريري: إسقاطه لخدمة من؟

إن مبرر طرح هذا السؤال يكمن في كونه يشكل مدخلاً منهجياً لسؤال أشد خطورة: هل ما زلنا في دائرة أزمة حكومية؟ أم أن الأمور تدفع باتجاه ما هو أكثر من ذلك بكثير؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ ومن يستطيع ان يتحمل النتائج التي يمكن أن يفضي اليها حدوث فراغ شامل على مستوى السلطة والحكم؟‏

من نافل القول ان اتفاقاً قد تُوصل اليه بين تحالف حزب الله وحركة أمل مع النائب والزعيم الحالي لتيار المستقبل سعد الحريري، وجوهر هذا الاتفاق ـ كما أذيع وأعلن ـ لا يعدو أكثر من رد الاعتبار لمسألتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالموقف من المقاومة، وكما ورد في نص البيان الوزاري، مع اضافة جديدة تؤكد أن حزب الله هو حركة مقاومة وليس ميليشيا، وذلك كمخرج توفيقي بين تعذر اتخاذ الحكومة موقفا رسميا يرفض القرار 1559، أو يعتبره قد نفذ، وموقف مقابل يدعو الى تبليغ مجلس الأمن بأن هذا القرار قد نُفذ.. فخلاصة هذا الموقف هو تأكيد لبناني رسمي غير مباشر ان هذا القرار لا يشمل سلاح المقاومة.‏

والحقيقة أن هذا المخرج لو أنه اعتُمد، لكان كفيلاً بأن يزيل حالة الشك والريبة التي نشأت منذ مدة، وتحديداً منذ أصدر تيري رود لارسن تقريره حول القرار 1559، وذكر فيه بأن رئيس الحكومة قد تعهد بتنفيذ هذا القرار، وبالتالي رسم خطا فاصلا وواضحا بين الجانب التدويلي لمسألة المقاومة واستهدافاته التي تتجاوز مصالح لبنان الى مصالح الكيان الإسرائيلي، والجانب اللبناني البحت الذي يتحقق من خلال نقاش يتناول المقاومة وسلاحها خارج الابتزاز الدولي أولاً، ويراعي المصالح اللبنانية لا غير ثانياً، ويحصر المعالجة في طريق واحد هو الحوار والتوافق العام ثالثاً.‏

أما المسألة الثانية، فتتعلق بإحياء الاتفاق السياسي الذي على أساسه شُكلت الحكومة الحالية، والقاضي بالتوافق مسبقاً على أي مسألة أو قضية ذات طابع وطني عام، أو تمس عملية إعادة النظر في بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها.‏

باختصار شديد لم يكن في هذا الاتفاق ما يستدعي أي تلكؤ في إبرامه أو أخذه الى متاهات يعرف أصحابها نتائجها مسبقاً. من هنا، فإن ما يدعو الى الاستغراب فعلاً، هذه الحمية التي استيقظت فجأة لدى رئيس الحكومة للقيام بعملية مشاورات لكل الطقم الوزاري المحسوب عليه أصلاً، وكأنه بصدد إجراء بحث في تشكيل حكومة ووضع بيان وزاري جديد لها.‏

طبعاً الاعتراض هنا يجب أن لا يفهم منه أنه على حق التشاور، فهذا حق إن لم يكن واجباً على رئيس الحكومة أن يمارسه، والجميع يعرف أن الأزمة الوزارية ما كانت لتكون لو أن هذا الحق كان يمارس كاملاً وحيثما تدعو الحاجة، لكن الاعتراض على أن هذا التشاور لم يكن ضرورياً.. بل أكثر من ذلك، بدا واضحاً أنه لم يكن إلا تكتيكاً سياسياً، الهدف منه إحداث انقلاب جذري ليس في الاتفاقات الجديدة فحسب، وإنما في السابقة أيضاً. وبالتالي هناك محاولة واضحة من البعض لإقامة عملية ربط بين جملة مسائل لا رابط بينها أبداً، اضافة الى شن حملة افتراءات واتهامات على حزب الله والمقاومة ما أنزل الله بها من سلطان.‏

فجأة بدا أن هناك من يحاول مقايضة حزب الله بموقف عدائي يصدر منه تجاه سوريا ونظامها، وبدا أن هناك من ارتد على مواقفه السابقة من خلال إصراره على تقليص دور المقاومة الى الحدود الدنيا بذرائع متهافتة، وبدا أن هناك أيضاً من هو متضايق الى أقصى الحدود من إمكانية عودة التفاهم بين تحالف حزب الله ـ أمل وتيار المستقبل، معتبراً أن تفاهما كهذا سيدفع به الى الهامش، وكأن المطلوب أن تبقى الخلافات قائمة بين هذه القوى ليصبح له موقعه ودوره في المعادلة اللبنانية.‏

والمفارقة في كل هذه المواقف أنها تجمع بين الشيء وضده: فهي من جهة تدّعي أن لبنان سيكون آخر دولة توقع صلحاً مع الكيان الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه تدفع الى تقليص دور المقاومة الى حدود تحرير ما تبقى من أراضٍ، مطالبة بإسقاط دورها كمنظومة ردع وتصدٍّ لأي تهديد أو عدوان محتمل، خصوصاً أن لبنان سيبقى في حالة صراع مع هذا الكيان على الأقل، ومع الفرض، حتى توقيع معاهدة صلح معه.. فلماذا هذا الإصرار على هذا الموقف الجديد، وهم الذين كانوا يقولون من قبل بعدم إمكانية تحييد لبنان في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وينددون بالداعين اليها.‏

ولعل ما يدعو الى الاستغراب حقاً، هذا الالتقاء الذي لا ندري اذا كان مصادفة أم لا، بين ما صرح به نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية آدم آرلي حين وصف المقاومة في لبنان بالمزيّفة، داعياً المقاومة اذا كانت حقيقية ـ بحسب وصفه ـ الى مقاومة سوريا! هذه الدعوة ألا تشبه كثيراً، وإن بشكل غير مباشر، دعوة البعض لأن تعلن المقاومة عداوتها لدمشق بدلاً من تل أبيب.‏

ثمة في لبنان من يحاول ربط المقاومة بأزماته الخاصة وتحويلها الى مشكل شخصي، مهدداً إياها بسحب تأييده لها، وهذا اذا دلّ على شيء فإنما يدل على زيف ادعاءات هذا البعض عندما كان يعلن دعمه للمقاومة.‏

ولا شك في أن المقاومة لا تخيفها مثل هذه التهديدات، لأنها الموقف منها كان وسيبقى معيار الوطنية الحقة، وبالتالي فإن مواقف هؤلاء تدينهم قبل سواهم، ولا نغالي اذا قلنا إن كل من يبتعد عن المقاومة انما يقترب من الكيان الإسرائيلي، ولا وسط بين الاثنين.‏

بعد هذا كله، هل ما زلنا في دائرة الأزمة الحكومية؟ بالتأكيد لا، فالمواقف التي نسمع كل يوم تؤكد أننا دخلنا في أزمة وطنية عامة مركبة، ليس أقلها الإسفاف السياسي والأخلاقي لكثيرين. ولعل ما نشهده هو بداية فوضى سياسية ومفاهيمية عامة، تمهد لفوضى أعمق وأخطر، فليتحمل حلفاء الوصاية الأميركية الجدد مسؤولية ما ستؤول اليه الأمور.‏

الانتقاد العدد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005‏

2006-10-30