ارشيف من : 2005-2008

لبنان.. في عين العاصفة:فتش عن فيلتمان

لبنان.. في عين العاصفة:فتش عن فيلتمان

الانتقاد/ زوايا ـ العدد 1144 ـ 13 كانون الثاني/ يناير 2006‏

يتساءل كثيرون عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الانقلاب المثير والحاد الذي حدث للخطاب السياسي لركن رئيس في حركة 14 آذار، ووراء ذاك التقارب الاستثنائي في المواقف مع رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، ووراء تلك الحمية المفاجئة لتحسين العلاقة مع زعيم التيار الحر الجنرال ميشال عون. والدعوة للتساؤل هنا ليس منطلقها الاعتراض على أمثال هذه العلاقات، فهي من حق كل طرف، بل هي من مستلزمات الحياة السياسية، وانما الدعوة الى هذا التساؤل مردها الذاكرة السياسية لهؤلاء المتسائلين، التي ترى أن هذا الركن كان، ومنذ زمن ليس بالبعيد، في موقعٍ، وها هو اليوم في موقع آخر.‏

وفي هذا الإطار، يمكن استحضار الكثير من الشواهد، أبرزها أولاً، ان هذا الركن من الذين يعتبرون سلاح المقاومة سلاحاً استراتيجياً، لا يمكن التفريط به في أي حال، كما كان يعتبر مزارع شبعا لبنانية.‏

وأكثر من ذلك، كان يرى الى أنه في اليوم الذي يتم فيه تسليم سلاح المقاومة، فإن لبنان سيكون في طريقه الى التصالح مع الكيان الاسرائيلي.‏

ثانياً: طالما هاجم هذا الركن بشدة الدعوة الى تحييد لبنان، ويعتبر مسألة تسليم سلاح المقاومة، تندرج في سياق هذه المحاولة. وهي محاولة بالمناسبة طالما سعى اليها اليمين اللبناني، وكانت تشكل محوراً من محاور الايديولوجيا والخطاب السياسيين طيلة الحرب اللبنانية، والهدف منها عزل لبنان عن قضايا المنطقة، وكأنه غريب عنها، وهويته لا تمت اليها بصلة، وكأن هناك امكاناً "جيو ـ سياسي" لعزل لبنان عن محيطه، وللوقوف في منطقة حيادية أو رمادية بين الكيان الاسرائيلي والعالم العربي.‏

ثالثاً: كما طالما هاجم هذا الركن السياسة الاميركية في المنطقة، خصوصاً في العراق، معتبراً أن الديموقراطية الاميركية بهذه الطريقة هي وصفة للتفتيت وللفوضى.‏

رابعاً: اذا كان اقتراب هذا الركن من جعجع مفهوماً، اذ انه بدأ منذ الانتخابات النيابية، الا أن محاولة جذب عون الى خطابه تشكل مفارقة كاملة نظراً لتباين شخصية الاثنين، ولتباين نظرتهما الى الأمور، ولتباين طموحاتهما.‏

في مقابل مجمل ما تقدم، نجد أنفسنا اليوم، وبرأي هؤلاء المتسائلين أمام شخص آخر:‏

أولاً: ثمة تنكر كامل اليوم للمقاومة ودورها، وأكثر من ذلك ثمة محاولة لتصويرها وكأنها باتت عامل تهديد وتوتير داخلي، وثمة محاولة لإسقاط الهوية اللبنانية عنها، وتحميلها أي هوية أخرى، اضافة الى السعي لإسقاطها من مكانتها الوطنية، والمس بقدسيتها الوطنية اذا جاز التعبير، فالمقاومة التي سجلت أول انتصار تاريخي على العدو الاسرائيلي، وحررت جزءاً عزيزاً من أرض لبنان، وما فتئت تطرح نفسها بوصفها عامل ردع في ردع طموحات وجنوحات عدوانية هذا العدو، هذه المقاومة التي قدمت الغالي والنفيس هانت على هذا الركن لهذه الدرجة. ولا يخفى على أحد أن هذه الاتهامات ـ الافتراءات لا يمكن فهمها خارج سياق محاولات النيل من هذه المقاومة إعلامياً وسياسياً، وكمقدمة ضرورية للنيل منها مادياً، وفي اطار الانسجام الكامل مع تنفيذ القرار 1559 الذي كان هذا الركن نفسه يرفضه، او على الأقل، يرفض الجزء الخاص منه بالمقاومة.‏

ثانياً: فجأة، في نظر هذا الركن، لم تعد مزارع شبعا لبنانية، وبات يتبنى النظرية الاسرائيلية ـ الدولية، بأن القرار 425 قد طبق بالكامل، ويعلن صراحة أنه ضد ربط لبنان بالصراع العربي ـ الاسرائيلي، وكأن تحرير مزارع شبعا اللبنانية يقيم مثل هذا الربط، فضلاً عن أن هذا الموقف هو على النقيض تماماً من موقف كل اللبنانيين، ومن الموقف الرسمي للدولة اللبنانية. وهو يبرر موقفه بأسباب واهية تحاول ربط المسألة بالنظام السوري، وكأن هذا الركن يريد أن يحوّل مشكلته مع هذا النظام الى مشكلة تعم كل القضايا.‏

ثالثاً: فجأة أيضاً اكتشف هذا الركن فوائد الاحتلال الاميركي، والنتائج السحرية للديموقراطية الاميركية، وبات أحد الدعاة الرئيسيين في المنطقة لتبنيهما والعمل لهما.‏

رابعاً: وفجأة أيضاً وأيضاً اكتشف موقع وأهمية دور الجنرال عون في حركة 14 آذار، بعد أن سبق وخاض سجالاً معه حول هذه المسألة.‏

هل نحن بعد هذا كله، أمام مزاج معروف، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟‏

من الصعب اعتبار أننا أمام نوبة من نوبات هذا الركن العارضة والمألوفة، اذ من الواضح، أننا أمام مسعى لتشكيل ائتلاف جديد، وبدفع اميركي ـ فرنسي واضح. فحركة السفير الاميركي وتصريحاته لا تخفى على أحد، والمواقف الأخيرة للرئيس الفرنسي شيراك حاضرة بقوة. وكلاهما يؤكدان المعنى نفسه، والذي رشح حتى الآن يشير الى:‏

أولاً: اذا كانت عودة التحالف الشيعي الى الحكومة مطلوبة، ولا بأس بها، الا أنه لا يجب منحه أي موقع ودور أساسي على غرار ما كان في السابق. واذا دار الأمر بين عودة قوية، وبالحد الأدنى، إحياء الاتفاق السابق، وبين بقاء الأمور في الحكومة على ما هي عليه، فلتبقَ على ما هي عليه. لأن المطلوب أن يحكم تحالف 14 آذار، وأن يتم الشروع في تنفيذ "الأجندة" الاميركية لبنانياً.‏

ثانياً: المطلوب الشروع في تطبيق القرار 1559 بشقيه الفلسطيني واللبناني، والتأخر في هذين الملفين لم يعد مسموحاً، لأن واشنطن لا تتطلع الى لبنان بقدر ما تتطلع الى أمن الكيان الاسرائيلي وفق منظور استراتيجي لا يتوقف عند حدود لبنان، وإنما يمتد من فلسطين المحتلة الى ايران. وعندما يغمز هذا الركن من وظيفة سلاح المقاومة محاولاً ان يسبغ عليه دوراً فلسطينياً تارة وعربياً تارة أخرى، وطوراً يربطه بالملف النووي الأيراني، فهو، في الحقيقة، انما يشير ضمناً، الى المنظور الاستراتيجي لأمن الكيان الاسرائيلي، وحرص واشنطن على ان لا ترى أي عامل قوة في أيدي دول المنطقة، وهو كان صريحاً في دعوته واشنطن لمواجهة هذا السلاح ومواجهة ايران انطلاقاً من كونهما يتصديان بقوة للمشروع الاميركي ـ الاسرائيلي في المنطقة.‏

ثالثاً: المطوب فصل لبنان بالكامل عن المنطقة بدءاً من فصله عن سوريا. وهذا أيضاً جوهر القرار 1559.‏

رابعاً: المطلوب قطع الطريق على أي محاولة لإصلاح العلاقات اللبنانية ـ السورية، لأن الهدف هو اسقاط النظام السوري، انطلاقاً من تحويل لبنان الى منصة ومركز لاسقاط هذا النظام.‏

خامساً: المطلوب تعويم حركة 14 آذار من خلال اعادة عون الى صفوفها، وذلك لإنجاز جملة من الأهداف:‏

أ ـ قطع الطريق على اللقاء المرتقب بين عون وسماحة الامين العام السيد حسن نصر الله، للدلالات السياسية المتعددة لهذا اللقاء.‏

ب ـ للحاجة الى التمثيل الشعبي لعون في رفد حركة 14 آذار التي تعاني من أزمة تمثيل فعلية، وخصوصاً أنها تريد اعادة طرح الأمور على قاعدة الأكثرية والأقلية.‏

ج ـ محاصرة الموقف السياسي لتحالف أمل ـ حزب الله، وتصويره كموقف طائفي خارج على توافق الأغلبية اللبنانية، والضغط على هذا الموقف لتعطيله أو اضعافه.‏

خارج مجمل هذه الاستهدافات، يبقى الأخطر هو التعبئة الطائفية والمذهبية التي يمارسها هؤلاء، عن قصدٍ أم عن غير قصد، غير عابئين، بأن نيران الفتن اذا اشتعلت ستحرق الأخضر واليابس، ولا سيما أن الفتنة أشد من القتل. فهل يعود هؤلاء الى وعيهم والى ضميرهم الوطني قبل فوات الأوان، أم أن الشيطان الاميركي سيستحوذ عليهم حتى الثمالة، صدق من قال واشنطن وراء كل شر، وفي لبنان علينا أن نقول، فتش عن فيلتمان.‏

مصطفى الحاج علي‏

2006-10-30