ارشيف من : 2005-2008
المنجّم
رمى بحصيّه أرضاً، ثم جمعها مرة ثانية وأعاد بعثرتها فوق ملاءة بيضاء، ليعود مرة ثالثة فيرميها.. ثم دار بوعاء أوقد فيه قليلاً من البخور فوق حصيه وتطلّع نحو النافذة المشرّعة الى سماء كانون الثاني/ يناير واستغرق في نظرته لدقائق قبل أن يفرج عن أسراره...
تفجيرات ستحدث.. اغتيالات وأعمال شغب تظهر أمام عيوني ربما تكون في أوروبا.. شخصية عالمية تتحدث من على منبر عن شيء غامض ثم تختفي.. دار في أنحاء العالم واحتار في بيوت السياسة وصناعة القرار وغاص في دهاليز لا يقدر دخولها أعظم جواسيس العالم، لكنه أدركها وفتح ملفاتها وقال بعض ما فيها.
وعندما حط ذلك المنجم الفطن في لبنان، دارت عيناه وكأنه شاهد زوبعة جارفة، ثم سقط مغشياً عليه في إغماءة لم يستفق منها إلا بعد أن باغته حاضروه بكوب من الماء على وجهه الشاحب.
سئل: ماذا حل بك عندما نطقت كلمة لبنان؟
قال: سألتزم الصمت في كل ما يطال هذا الملف..
وعندما ألحّوا عليه بأن يقول لهم، ولو إشارة تنير دربهم في العام الذي أطل، بدأ منجمنا بسرد خاطرته:
في التلفزيون برامج السياسة ستطغى على ما عداها وسيكون بطلها حزيناً لعدم مجاراة الضيوف لآرائه.
في الرياضة جمهور السلة ينتقل إلى تشجيع نوع جديد من الألعاب سيكون مسرحها الـ"دان تاون".
واستغرق منجمنا في الحديث عن الفنون والنجوم والثقافة ولم يقترب من السياسة الا بغمزات، وحين استغرب حاضروه تجنبه.. اصفر وجهه مرة أخرى وكاد يسقط من جديد.
ـ ارحموني
ـ ليس قبل أن تتحدث
ـ أخشى ان يسمعني احد من فرع...، أو قسم... أو لجنة التحـ... فأصبح متهماً
ـ سنحميك، قل ما لديك، وإلا ـ وكانت مسدسات ثلاثة تحوط رأس منجمناـ .
قال .. سيحافظ زعماؤكم على الأغلبية، وسيتمكنون من السيطرة على كل مفاصل البلاد ومفاتيح العباد.. وسيحكمون بصيغة الثلثين وزيادة، ولن ينالوا غير ما يتمنون، ولن يكون التوافق غير أغنية تنشد عند افتتاح مجلس الوزراء كما ستعاد في النهاية ليسمعها الجمهور (لايف).
استبشرت وجوه الموفدين وأطروا على أبراج المنجم التي انضمت إلى جوقتهم.. وطلبوا المزيد:
فأعاد المنجم تموضعه جيداً وبدت عليه الراحة، حين أطلق زفيراً أخرج معه كل الهم والخوف القابع في داخله:
أرى أشخاصاً يتحركون جيئة وذهاباً من والى خلف البحار..، خرائط ذات ألوان زاهية..، قلم يتحرك وأيدٍ تتصافح.. انه ما يشبه صفقة أو اتفاق، تجعل كل شيء في موضعه.. وأفاض هذا المنجم في توقعاته مستنداً إلى راحة آذان مستمعيه حتى غادروه على أمل أن يعودوا إليه ليسمعوا جديداً.
لم يتوقع هذا المنجم أن يعود إليه الموفدون أنفسهم بعد ساعات قليلة مكهربين ليقطعوا لسانه الذي ذكر كلمة "صفقة".
أمير قانصوه
الانتقاد/ خلف القناع ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018