ارشيف من : 2005-2008

مشروعان في لبنان والمنطقة لا ثالث لهما: المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي ومشروع مقاومته

مشروعان في لبنان والمنطقة لا ثالث لهما: المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي ومشروع مقاومته

لبنان مجدداً: أي هوية؟‏

عندما طالب النائب وليد جنبلاط الولايات المتحدة بالتدخل في سوريا على غرار ما فعلت في العراق، برر ذلك بأن سوريا وايران اليوم هما من يتصديان للمشروع الاميركي ـ الاسرائيلي في المنطقة. وسرعان ما أضاف جنبلاط ايران الى لائحة المستهدفين من قبله، في كل مرة أراد فيها، أن يفرغ ما لديه من حمولة نفسية وعصبية وسياسية على أحد. وسرعان ما حدد أيضاً، ان المواجهة هي اليوم مع المحور الممتد من لبنان مروراً بسوريا ووصولاً الى ايران. وهو، في هذا كله، يحاول أن يعيد النظر في أمرين متلازمين وبالغي الدلالة: مفهومه للبننة وللهوية اللبنانية. فجنبلاط يرمي كل تاريخه السياسي وراء ظهره ليعود فيتبنى المفهوم الذي دأبت المارونية ـ السياسية طيلة فترة الحرب الأهلية وقبلها، على تبنيه، وشكل أحد أسباب الحرب الأهلية آنذاك، والمتمثل بالنظر الى الهوية اللبنانية نظرة كيانية جوهرها رسم حدود فاصلة ونهائية بينه وبين محيطه العربي والاسلامي الذي هو جزء لا يتجزأ منه بامتياز. فجنبلاط الذي طالما ارتأى ان يتموضع سياسياً وانتماءً في الاطار القومي الأوسع، رافضاً أي نوع من التحييد للبنان، ومعتبراً إياه الخطوة الأساسية الممهدة لإجراء صلح لبناني ـ اسرائيلي، فجأة بات أحد حاملي راية الدعوة الى كيانية لبنانية بغيضة، ان لم يكن رأس الحربة في هذه الدعوة.‏

على صعيد آخر، يعمل جنبلاط، وفي الحقيقة، كل الخطاب السياسي لقوى الموالاة الجديدة، على بناء شبهات كبيرة، تشكل في مجملها أواليات التعبئة والاشتغال التجييشية لهذا الخطاب، وذلك من خلال تشويه نقاط التقاطع الطبيعية، والتي تمليها وقائع التاريخ والجغرافيا معاً، بين المصالح اللبنانية الخالصة، والمصالح القومية. بكلمة أوضح، أن الكيان الاسرائيلي بالتعريف والوجود والممارسة هو عدو مشترك ليس للبنان فحسب، وانما لمجمل العالم العربي، وبالتالي، فإن اي مقاومة له، لا بد من أن نقبض نتائجها حكماً لتعم العالم العربي، تماماً كما أن أي قوة يمكن ان تتمتع بها دولة عربية هي عامل قوة للجميع. من هنا، فإن المقاومة في لبنان سواء بما هي عامل قوة استراتيجي للبنان، أم بما هي عامل توازن وردع في مواجهة الكيان الاسرائيلي، هي عامل قوة وردع وتوازن يدخل في صلب المعادلة الشاملة التي تحكم خريطة المواجهة مع العدو الاسرائيلي، وهذا التداخل الطبيعي، الذي يدركه الاسرائيلي والاميركي معاً، هو الذي يدفعهما للعمل على ضرب المقاومة، فالمطلوب ليس فقط حرمان لبنان من عامل القوة هذا، وانما حرمان المنطقة برمتها من أحد عوامل قوتها، بما يمعن أكثر في احداث المزيد من الخلل في موازين القوة لمصلحة المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي.‏

في هذا الاطار، فإن التشكيك الذي يدأب عليه مؤخراً الخطاب السياسي الجنبلاطي وقوى الموالاة الجديدة، بهوية المقاومة، ليس الا تمويهاً لفظياً للمطلب الاميركي ـ الاسرائيلي بنزع سلاح المقاومة، والتبني الكامل للقرار 1559.‏

كخلاصة هنا لما تقدم نقول:‏

ـ ان المواجهة اليوم هي بالتعريف وبالوقائع بين مشروعين لا ثالث لهما: المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي الذي بدا واضحاً ومن خلال الخطاب السياسي لجنبلاط، وخطاب قوى الموالاة الجديدة، انها تدمج بعمق بين هذا المشروع ومصالحها السلطوية الخاصة في الداخل. ومشروع المقاومة والمواجهة للمشروع الاميركي ـ الاسرائيلي في المنطقة. من هنا، يبدو طبيعياً، ان كل ابتعاد عن مشروع المقاومة، واي محاولة للنيل منه، هو اقتراب وتماهٍ مع المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي مهما حاول هؤلاء تزويق عباراتهم، وتزيين مواقفهم بشبهات متهافتة.‏

ـ ان المواجهة اليوم هي أيضاً حول التعريف بهوية لبنان، هذه المعركة التي بدا ان اتفاق الطائف قد حسمها أخيراً، الا أنه حسم يتأطر، وكما ظهر مؤخراً، بموازين قوى محددة، مجرد ان رأى البعض انها اختلت داخلياً وخارجياً لمصلحته، وجد أن الفرصة باتت سانحة لإجراء اعادة نظر، تشكل المستند النظري لإعادة موضعة نفسه سياسياً.‏

ولذا، فإن هؤلاء لا ينظرون الى هوية لبنان العربية بوصفها معطى جوهري وثابت، وانما بوصفها معطى وظائفي، يسهل الانقلاب عليه كلما اقتضت الضرورة. وخطورة ما يجري اليوم، انه تجري عملية اعادة النظر هذه في سياق تمويه مذهبي وطائفي، بحيث يتم انتزاع طوائف بكاملها من موقعها ودورها التاريخي، الى مواقع هي، بالضد تماماً، مع هويتها التاريخية والجغرافية.‏

هناك شغل حثيث على اضافة تماهٍ بين كتل طائفية ومذهبية ومصالح سياسية فئوية ضيقة لقوى صاعدة ومتقاطعة تماماً مع المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي، وذلك من خلال اللعب على العصب الطائفي والمذهبي لديها، وتسعيره في مواجهة طوائف ومذاهب أخرى، لا تزال تصر على اقامة تماهٍ كامل بين وطنيتها ومحيطها. من هنا، فإن الفرز الطائفي في لبنان، وسعي قوى الموالاة لإعادة صياغة الصراع الداخلي انطلاقاً من خطوط مواجهة طائفية، لا يستند فقط الى العمل على افراغ المواجهة من مضمونها السياسي الفعلي، وانما احداث مسار من التفكيك والفوضى الطوائفية، بما يمهد لإعادة النظر في مواقع بعض هذا الطوائف، وأدوارها المقبلة، وبالتالي لأخذها على حين غفلة منها الى ما هو بالضد تماماً مع واقعها وهويتها الوطنية والتاريخية. ولا نغالي هنا، اذا قلنا، ان عملية اغتيال الرئيس الحريري جاءت في سياق هذا المخطط.‏

في هذا الإطار، من المتوقع كلما احتدم الصراع بين المخطط الاميركي ـ الاسرائيلي ومشروع المقاومة والممانعة في لبنان والمنطقة، ان يعمل أرباب المخطط الأول على تعميق الفواصل الطوائفية، وان يعود كل طرف الى محوره.‏

مصطفى الحاج علي‏

مقالات/ العدد 1145ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-30