ارشيف من : 2005-2008
لماذا التف الجمهور الإسرائيلي حول أريئيل شارون قبل وبعد غيابه؟
علي حيدر
كانت النظرة الغالبة في الجمهور الإسرائيلي، قبل انطلاقة انتفاضة الأقصى في ايلول/ سبتمبر عام 2000، إلى شارون على انه شخصية متهورة يمكن لو تولى رئاسة الحكومة أن يدفع بـ"إسرائيل" والمنطقة إلى حروب إقليمية، كونه لا يتوقف عند الخطوط الحمراء التي تفرضها الظروف السياسية وقيود استعمال القوة... لكن صدمة الانتفاضة والمقاومة ورفض نتنياهو (الذي كانت تعطيه الاستطلاعات تفوقا وتقدما بارزا على شارون في حينه) المشاركة في انتخابات خاصة برئاسة الحكومة، واشتراطه لذلك إجراء انتخابات عامة، وفشل حزب العمل برئاسة ايهود باراك في تحقيق الآمال التي عقدها الجمهور الإسرائيلي عليه لسنين طويلة على التوصل إلى حل نهائي للصراع مع الفلسطينيين عبر اتفاق شامل يتناول كل قضايا النزاع المفترضة، دفع بالجمهور الإسرائيلي إلى التفتيش عن قائد بديل لمواجهة الاخطار والتحديات التي يواجهها الكيان الإسرائيلي، فكان الخيار أرييل شارون الذي شكل انتخابه موقفا ورسالة من الجمهور الإسرائيلي إلى الشعب الفلسطيني بأنه أوكل مهمة إخضاعهم إلى شخصية دموية….
الحذر والتخوف من شخصية شارون... انقلب خلال ولايته تمسكاً وآمالاً ورهاناً، لدى قطاعات واسعة في صفوف الجمهور الإسرائيلي، على قدرة شارون في تحقيق الأمن وإنهاء الصراع مع الفلسطينيين.
في المقابل استطاع شارون أن يعزز من مكانته ويبدل صورته في اذهان الرأي العام الإسرائيلي … ليترجم ذلك فوزا ساحقا في الانتخابات العامة التالية عام 2003 عندما رفع تمثيل الليكود من 19 إلى 40 عضو كنيست، واستمر شارون في صعود تخلله بعض حالات الهبوط، إلى حين اصابته بالجلطة الدماغية حيث كانت تمنحه استطلاعات الرأي تقدما بارزا على كل من عداه.. لدرجة أن لواء رئاسة الحكومة المقبلة كان معقودا له. وكامتداد له بقيت هذه الاستطلاعات تعطي حزبه الذي أسسه (كديما) – حتى الآن – وبشكل أكبر من ذي قبل.
فما هو مكمن هذا التحول في النظرة إلى أريئيل شارون:
- غياب قيادات تاريخية عن الساحة الإسرائيلية التي كان يكفي رصيدها التاريخي والثقة بكفاءتها وقدراتها القيادية لالتفاف الجمهور الإسرائيلي حولها... فضلا عن فشل القيادات المنافسة لشارون في تجاربها السابقة أو لكونها تشكل قيادات من الصف الثاني مكَّن شارون من أن يجعل من نفسه محور السياسة الإسرائيلية، وكأن لا بديل عنه من القيادات السياسية الحالية بعدما اثبت قدرة على القيادة ومواكبة أحاسيس الجمهور الإسرائيلي والمناورة السياسية التي تبث الرسائل والآمال في صفوف الجمهور كلما أطفأت المقاومة شعلة رهان عسكري أو سياسي.
- أيضا احتدام الصراع وبلوغه حد الذروة حيث انتقلت المعركة بكل ما للكلمة من معنى إلى الداخل الإسرائيلي... وتصدي شارون لهذه المهمة بالصورة الدموية التي يتوقعها منه الجمهور الإسرائيلي جعلته بنظره رجل المرحلة كونها أعادت إنتاج صورة القائد الميداني العسكري الخبير الذي لا يقف عند حدود في مواجهته للأخطار التي تواجه الكيان الإسرائيلي، لكنها مقرونة هذه المرة بصورة الزعيم السياسي.
- أيضا تكيف شارون مع الواقع الذي فرضته المقاومة في فلسطين عبر تحرره من بعض قيود أيديولوجية ارض إسرائيل الكاملة واعتماده خيار الانكفاء إلى الوراء وتخليه عن فكرة إمكانية الحسم العسكري مع الفلسطينيين بعد فشله وتسليمه بعدم إمكانية تحقيق ذلك دفعه إلى استبدال بعض خياراته ليتجلى ذلك في قراره بإخلاء المستوطنات في قطاع غزة، واستعداده للتخلي عن أجزاء منها في الضفة الغربية... ما جعل اغلب الجمهور الإسرائيلي يزداد التفافا حوله كونه غلَّب الاعتبارات الواقعية على قيود الأيديولوجية، وهو ما يُنظر إليه في الجمهور الإسرائيلي كشرط من شروط الخلاص من كلفة الاحتلال وأعبائه. وما عزز من هذه الصورة ان العقل الإسرائيلي الابداعي قد استنفد نفسه في اجتراح الخيارات والحلول العقيمة في الجمع بين احتلال الارض وتأمين الأمن للكيان الإسرائيلي، وبدأ الخلاف يتمحور داخل (الأغلبية الساحقة) الجمهور الإسرائيلي حول حجم مساحة الاراضي التي ينبغي الانسحاب منها، وفي أي ظروف، وليس بين اصل القبول بالانسحاب ورفضه بالمطلق.
تحت المجهر/ العدد 1145 ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018