ارشيف من : 2005-2008

صيف بارد سياسياً:فهل يكون الخريف حاراً أم ماذا؟

صيف بارد سياسياً:فهل يكون الخريف حاراً أم ماذا؟

كلّ شيء يشير إلى أننا مقبلون على مرحلة من الهدوء والاسترخاء السياسيين ما لم يحدث تطور دراماتيكي من شأن تداعياته ونتائجه أن تقلب الأمور رأساً على عقب، ذلك أن الوضع الداخلي استقر على ما يشبه الستاتيكو السلبي، وكخلاصة لمجمل التوازنات الدولية والإقليمية والمحلية المؤثرة في مسار الأمور واتجاهاتها العامة.‏

إقليمياً تبدو المنطقة في مرحلة انتظار ورجاء: انتظار ما ستسفر عنه الأزمة الأميركية ـ الإيرانية في طورها الخاص بالخلاف حول الملف النووي ـ الإيراني، الذي بات الاتجاه الذي ستستقر عليه عملية معالجته، والشكل الأخير لهذه المعالجة هو ما سيحدد طبيعة التوازنات الإقليمية العامة على خلفية إعادة رسم الأحجام والمواقع والأدوار، ونوع العلاقات التي ستحكم دول المنطقة.‏

وإذا كانت النتيجة الأولى للمواجهة الأميركية ـ الإيرانية انتهت لمصلحة تكريس ايران قوة إقليمية كبرى وصاعدة، فإنه لا يمكن إغفال موقعها ودورها الجيبوليتيكي بأبعاده الآسيوية والعربية معاً، ان لم نقل الدولية أيضاً، اذا ما أخذنا بعين الاعتبار موقع ايران في شبكة المصالح الدولية، وقوة تأثيرها في جغرافية الصراعات الدولية ذات الأفق الجيو استراتيجي.‏

من هنا كان طبيعياً ان تصبح طهران مؤخراً مركزاً لاستقطاب الحركة السياسية الدولية والإقليمية معاً.‏

ولا شك في أن غلبة الخيار الدبلوماسي في معالجة الملف النووي ـ الإيراني، خربط حسابات فريق 14 شباط الذي كان يتمنى لو أن الغلبة كُتبت للخيار العسكري، انطلاقاً من حساباته التي تذهب إلى أن ضربة عسكرية لإيران ستضعفها، وبالتالي ستضعف معظم حلفائها في المنطقة. لكن بدا واضحاً أن واشنطن غلّبت الخيار الدبلوماسي إدراكاً منها أنها لن تستطيع تحمل كلفة الحرب مع طهران، وإن كان ليس واضحاً حتى الآن أنها باتت ناضجة لقبول كلفة التسوية أيضاً.‏

وفي أسوأ الأحوال يبدو أن الخيار الأفضل دولياً وإقليمياً وأميركياً وحتى إيرانياً، تسكين الأزمة من خلال لعبة التفاوض بانتظار تقطيع بعض الاستحقاقات الخاصة والعامة.‏

وأما في أحسن الأحوال، فثمة ترويج عام اليوم لصفقة شاملة من شأنها أن تحدث تبدلاً عاماً في مناخات المنطقة واتجاهات الأمور فيها.‏

أما محلياً، فلا تبدو حال فريق 14 شباط على خير ما يرام، فهذا الفريق الذي يعاني من حال إحباط عامة بفعل إخفاقاته السياسية المتكررة والمتعددة، لم يكن ينقصه مؤخراً إلا تقرير براميرتز بالصورة التي جاء بها، هذه الصورة التي وإن كانت حمّالة أوجه وقابلة للتأويل والتفسير، فإنها أسقطت في يد هذا الفريق الذي حرص على إشاعة أجواء مختلفة تماماً تذهب إلى حدود الادعاء بأن التقرير سيحمل أدلة دامغة تدين سوريا، ما سيزوده بقوة اندفاعة سياسية جديدة. لكن براميرتز قرر ـ من موقعه المهني الصرف ـ اختيار اللغة الرمادية غير الحاسمة لألوانها النهائية، بانتظار المزيد من التحقيق الذي يأخذ في الحسبان كل الاحتمالات.‏

ثم جاءت الضربة الثانية فوق رأس هذا الفريق من الإنجاز الأمني لمخابرات الجيش اللبناني، حيث أُلقي القبض على رأس خلية شبكة الموساد التنفيذية محمود رافع، ولينفتح التحقيق معه على أبعاد جديدة من شأن استكمالها والتثبت منها، خلط الأمور في الكثير من التطورات والأحداث الأمنية التي تعرض لها لبنان خلال السنة الفائتة، والتي حرص فريق 14 شباط على استغلالها الى أقصى الحدود في وجه سوريا، متجنباً مجرد الإشارة ولو من باب الاحتمال الى دور ما للاستخبارات الإسرائيلية فيها.‏

وما أقلق هذا الفريق أكثر، أن اكتشاف هذه الشبكة جاء في توقيت حساس بالنسبة اليه.. فهناك من جهة النقاش الداخلي حول استراتيجية الدفاع الوطني الذي يصرّ هذا الفريق على التعامل معها وكأن لا وجود بعد لخطر إسرائيلي، ولا تهديدات إسرائيلية لأمن لبنان الوطني والقومي معاً.. ومن جهة أخرى يحرص هذا الفريق منذ مدة على إرساء مناخ إعلامي ـ سياسي، يحاول تحويل وجهة العداء من الكيان الإسرائيلي باتجاه دمشق، والقول بأن العامل المخابراتي السوري ما زال فاعلاً في لبنان.‏

فهذا الفريق أدرك أن اكتشاف الشبكة الإسرائيلية سيعني في ما يعنيه إعطاء قوة ترجيحية لمنطق المقاومة، وإعادة اعتبار للدور الإسرائيلي التخريبي في لبنان، وهذا ما يريدون تجنبه على الأقل في الوقت الحاضر.‏

ولذا عمد هؤلاء بعد طول انتظار وحيرة وتردد وارتباك، الى إصدار مواقف تراوحت بين:‏

ـ مشيدٍ بالإنجاز الكبير لمخابرات الجيش لا لذاته، وإنما لتوظيفه سياسياً في دعم منطقه بالاستناد الى ان هذا الإنجاز هو بمثابة كاشف عن حجم قوة الجيش وجهوزيته التي تخوله التفرد بالإمساك بالأمن في لبنان. وفي هذه الدعوى ما فيها من الخلط والتلبيس: فهي من جهة تخلط بين العنوان الأمني والعنوان العسكري، اذ لا أحد يشكك في قدرة أجهزة مخابرات الجيش، سيما اذا ما التزمت سياسة أمنية واضحة وزُودت بالقدرات اللازمة.. لكن السؤال المطروح هو حول قدرة الجيش العسكرية في مواجهة قدرة الجيش الإسرائيلي العسكرية في حرب كلاسيكية.‏

ثم لم يدّعِ أحد ولم يطلب أحد في لبنان شراكة أمنية مع الدور الأمني للمؤسسات الأمنية، بل لطالما أعلن أن المسؤولية الأمنية في البلاد هي مناط الدولة اللبنانية فحسب.‏

ـ محاولٍ للتشكيك في مؤسسة الجيش للقول بأنها ما زالت خاضعة للنفوذ السوري.‏

ـ ومحاولٍ أخيراً لحرمان الجيش من هذا الإنجاز الوطني، خصوصاً السفير الأميركي، وكأن هذا السفير وبعض أطراف فريق 14 شباط أزعجهم أن يكون الجيش ما زال محافظاً على عقيدته الوطنية.‏

بكلمة أخرى، إن موقف هؤلاء ينم عن سياسة واضحة للصورة التي يريدون أن يروا الجيش فيها، وهي صورة بعيدة كل البعد عن العداء لـ"إسرائيل".‏

أضف الى ذلك أن هؤلاء يتوسلون هذا الحرمان وسيلة لتسهيل التشكيك في هذا الإنجاز الأمني وتقديمه كأمرٍ مفبرك، وكل ذلك لتبرئة الإسرائيلي، لمصلحة تأكيد المناخ السياسي الذي يعملون عليه.‏

وفي مطلق الأحوال، فإن خلاصة الأمور داخلياً وفي ظل تنامي القوى السياسية المناوئة لفريق 14 شباط ولسياسة الأكثرية الوهمية الحاكمة، وفي ظل المعادلات السياسية الداخلية، يدرك فريق 14 شباط أن التوازنات باتت مختلة لغير مصلحته، ما دفعه الى إشاعة هدنة سياسية قسرية يحتاجها لأكثر من اعتبار:‏

ـ جلاء الأمور أكثر إقليمياً.‏

ـ ما سيحمله مجدداً تقرير براميرتز في الخريف المقبل، أي العودة الى لعبة الانتظار والرهانات.‏

ـ تضميد فريق 14 شباط لأوضاعه الداخلية، وشراء الوقت لالتقاط الأنفاس مجدداً.‏

ـ تعويم حكومة الأكثرية في ظل تكون حركة سياسية عامة تدعو الى إسقاطها، مستفيدة من تبدل المناخات السياسية داخلياً وخارجياً.‏

ـ الدخول على خطوط التفاهمات والتحالفات القائمة بين خصوم هذا الفريق لزرع الهواجس والتناقضات، عسى أن تنفذ من خلالها الى إعادة بناء توازن جديد لمصلحتها.‏

ـ تمرير موسم السياحة والاصطياف في أجواء هادئة لاعتبارات اقتصادية ومعيشية.‏

من هنا يبدو الاسترخاء السياسي على حرارة الصيف سيكون بمثابة استراحة المحارب، ربما تمهيداً لمواجهات لاحقة، أو لتفاهمات عامة جديدة، تبقى الكلمة الحاسمة فيها للاعتبارات الإقليمية والدولية ووجهتها.‏

مصطفى الحاج علي‏

الانتقاد/ حدث في مقالة ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006‏

2006-10-30