ارشيف من : 2005-2008
الراعي والغنم
قال قائل: "أقترح مستقبلاً أن توزع وزارة الخارجية على رعيان المناطق الجنوبية الحدودية، خرائط توضح أين القرار (425) وأين القرار (242)، حتى لا يذهبوا مجددا ضحية الكمائن والألغام الإسرائيلية".
وقال قائل آخر: إن إبراهيم رحيّل قبل أن تغتاله رصاصات الغدر الإسرائيلية، كان يعرف جيداً المسار الذي عليه سلوكه إلى مرعى قطيعه.. يعرف أي تلّة يعلو وأيّ وادٍ ينزل.. يعرف شريط النار الذي عليه ألا يجتازه ولو حتى إلى المرعى المقتطع من أرضه بقوة الاحتلال..
لقد أصبحت تلك ثوابت لديه، حتى أن الغنم الذي كان يقوده عرف الطريق جيداً وحفظ حدوده، ولم يتجاوز يوماً خارطة راعيه حتى لا يقع في المحظور".
لكن إبراهيم عندما أسند رأسه إلى تلك الصخرة وأغمض عينيه تاركاً دمه يغرق تلك الأرض لتكبر المزارع والمراعي، كان مطمئناً إلى أن عيون المقاومين التي تحرس هذه الأرض لن تترك دمه يسرقه العدو، ولن تغمض حتى تصيب من أصابه بنارها، العقاب الذي يعرف العدو منه الخطوط التي يمنع عليه تجاوزها.
إنها شرعة ثابتة اختبرها إبراهيم أكثر من مرة، حتى باتت ملاكه الحارس، ولطالما عبّر عن اعتزازه بصانعها.
إبراهيم ومعه والده المفجوع وأهالي بلدته الذين أصابهم رصاص العدو في قلبهم، لم يظنوا لحظة أن أحداً غير الإسرائيلي سيجرؤ على اغتيال ابنهم مرّة جديدة، وأنه سيدخل دمه في سمفونية المواقف التي لا يخلو لبنان يوماً منها، ليتهكم على دمه المسفوح في أرض الجهاد، ويحمّل ابنهم الراعي المسؤولية، لأنه لم يحمل خارطة طريق (من إعداده هو) تحدد مسار ماشيته، حتى لا يقع تحت نار الكوماندوس الإسرائيلي.
وأيضاً لم يكن إبراهيم يظن أن ماشيته المتوالدة في حظيرة دارهم في شبعا، والتي لا يطيب لها غير عشب "بسطرة"، هي ماشية تتبع لدولة إقليمية غير عربية أرسلتها لترعى في مراعي بلادنا المتنازع عليها مع دولة شقيقة!
وقبل أن ينفك العزاء، جمع أبو الشهيد أهالي بلدته وأقسم بشرفه ان الماشية هي ملكه ومن مواليد حظيرته، ولم يندس فيها أي غنم متآمر!.. وإنها كانت ترعى ضمن الأراضي اللبنانية الواقعة تحت القرار 425، وإن تقرير لارسن الشهير قال ذلك.. وطالب المدعي بأن يقسم بأي شيء على أن ما يقوله غير صحيح..
*****
الماعز والغنم في الجنوب اللبناني، وفي مزارع شبعا تحديداً، يعرف دروبه جيداً، ولم يشك يوماً في لبنانيتها، بخلاف بعض الزعماء الذين يبدّلون جلودهم وولاءاتهم الوطنية مثلما يبدلون ملابسهم وأصدقائهم، الى درجة ان ما تبقى من القطيع عاد الى مزرعته في شبعا وحده برفقة الكلاب التي تحرسه، بعد إطلاق النار على راعيه.
في بلادي، الحيوانات صامدة وتعرف الوفاء لأرضها ووطنها وأصحابها، فهلاّ تعلم بعض الغائبين عن الوعي منها هذه القيم..
إذا كانت القضية طويلة مع هؤلاء، فننصحهم أولاً بأن يقلعوا عن التهكم على الرعاة، وقد بات منهم شهداء يرتفع دمهم الى رتبة القداسة.. والنصيحة الثانية بما أنهم يقضون وقتاً طويلاً بين الجدران، أن يستبدلوا بخرائط صديقهم تيري رود لارسن ودعوة الآخرين لقراءتها، قراءة كتاب "كليلة ودمنة"، لتعلم العقلانية والحكمة والوفاء من ألسنة الحيوانات، وهو الغرض الذي من أجله وضع ابن المقفع كتابه.
أمير قانصوه
الانتقاد/خلف القناع ـ العدد 1148 ـ 10 شباط/ فبراير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018